للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقد حرص أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تبليغ الأمة سنة رسول الله من قول أو فعل أو تقرير، وبالغوا في التحذير عما يخالفها من قول أو فعل مهما كان ذلك وعلى أي وجه يكون، ولم يفرقوا في الإنكار بين ما ظاهره الحسن وما ظهر وقولا، فلم يقولوا بتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة، بل اعتبروا البدعة أمرا منكرا وزورا من القول والعمل، وقولا على الله بلا علم، وتشريعا من الدين بما لم يأذن به الله، حجتهم في ذلك الإيمان بأن الله أكمل دينه، وأن رسوله - صلى الله عليه وسلم - بلغ رسالة ربه، وأدى أمانته، وبين لعباد الله خصائص دينهم ومقتضيات أعمالهم، وأن الأخذ بالبدعة يعني مناقضة ذلك الإيمان باعتبار أن البدعة - في ظن مبتدعيها والآخذين بها - إكمال نقص في الدين، كما أن حجتهم كذلك الامتثال للانتهاء عن الابتداع مطلقا مهما كان، وعلى أي سبيل يقع، يستوي في ذلك حسنه وسيئه للعموم في نفي البدع والابتداع، فقد حذر - صلى الله عليه وسلم - عن الابتداع بلفظ العموم فقال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (١)»، وبلفظ الاختصاص والحصر، فقال: «إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (٢)».

ومن حججهم - رحمهم الله - في رد الابتداع إدراك أن الابتداع باب الشيطان إلى الغواية والإضلال والضلال، فمنه دخل على الأمم السابقة يضلهم ويمنيهم ويغويهم ويزين لهم أبواب الابتداع حتى غيروا كتب الله، وحرفوها وبدلوها؛ فأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله.

أدرك أصحاب رسول الله ذلك وكانوا حربا على البدع والابتداع، والإحداث والمحدثات، وفيما يلي مجموعة من الآثار الواردة عن أصحاب رسول الله في محاربة البدعة.

فقد روى محمد بن وضاح القرطبي في كتاب البدع النهي عنها بإسناده، فقال: بلغ ابن مسعود - رضي الله عنه - أن عمرو بن عتبة - في أصحاب له - بنوا مسجدا بظهر الكوفة، فأمر عبد الله بذلك المسجد


(١) صحيح مسلم الأقضية (١٧١٨)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٨٠).
(٢) سنن الترمذي العلم (٢٦٧٦)، سنن ابن ماجه المقدمة (٤٢)، سنن الدارمي المقدمة (٩٥).