للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصواب: أن يقال: لا تلازم بين الأمر الشرعي والإرادة الكونية. فقد يأمر شرعا بما لا يريده كونا، مثل الإيمان من الكافر، وقد يريد كونا ما لا يأمر به شرعا مثل الكفر والمعاصي؛ وذلك لأن الإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية، والأمر ينقسم إلى قسمين: أمر كوني، وأمر شرعي، فالإرادة الكونية والأمر الكوني ليس من لازمهما المحبة والرضا، وأما الإرادة الشرعية والأمر الشرعي فمن لازمهما المحبة والرضا، وهذا التقسيم هو الذي يتمشى مع منهج الشيخ الذي هو منهج السلف المبني على أدلة الكتاب والسنة، فالله لا يأمر بالمعاصي ولا يريدها ولا يرضاها شرعا، لكنه أرادها وأمر بها كونا وقدرا؛ لأنه لا يقع في ملكه ما لا يريد، قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (١).

أي أمرناهم بذلك كونا وقدرا، وقال تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (٢).

{إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (٣).

- في صفحة ٢٠١ يختم أبو زهرة مباحثه حول القدر بقوله: هذه نظرات ابن تيمية في مسائل الجبر والاختيار، وتعليل أفعال الله سبحانه وتعالى، وهو يسند دائما ما يراه إلى السلف الصالح من الصحابة والتابعين انتهى.

وكأنه بهذا التعبير يتهم الشيخ في أنه ينسب إلى السلف بمجرد رأيه ما ليس من مذهبهم، وهذه التهمة يبطلها الواقع فإن الشيخ - رحمه لله - لم ينسب إلى السلف إلا ما هو موجود في كتبهم، وما ثبتت روايته عنهم، والشيخ أتقى لله من


(١) سورة الإسراء الآية ١٦
(٢) سورة المائدة الآية ٤١
(٣) سورة هود الآية ٣٤