ذلك من أحب الثناء والممادح، والمحامد إليه عز وجل " فالله جل جلاله، يتصف " بالرحمة " ويختص باسم " الرحمن "، ويسمى " بالرحيم ". وكذلك فإننا نصف بعض بني البشر بصفة " الرحمة " كما نقول عن إنسان ما بأنه " رحيم " فهل هذا يعني أن ثمة تشابها بين الخالق والمخلوق؛ لأننا وصفنا الإنسان " بالرحمة " وقلنا عنه - أحيانا - إنه " رحيم "؟!
إن من الأمور البدهية أن تكون " الرحمة الإلهية " مخالفة تمام المخالفة للرحمة البشرية من كل الوجوه، ونؤكد على قولنا من كل الوجوه، فرحمة الله لا تحد، ولا تكيف، ولا يدرك حدودها إلخ على العكس من رحمة بني البشر.
وما قلناه في الرحمة، يقال كذلك في كل الصفات والأسماء التي وصف الله بها - سبحانه - نفسه، أو التي تسمى بها. وقد أقر بهذه الحقيقة كذلك بعض الفلاسفة، كما أشار إلى ذلك ابن رشد " - رغم ما في آرائه الأخرى من مآخذ - وذلك أنه في معرض إثبات الصفات، التي أثبتها لله سبحانه، يشير إلى قاعدة عامة في هذا الصدد، وهي أن صفات الله ينبغي أن تكون مغايرة لما يوصف به الحوادث. ففي صفة " العلم " - مثلا - وهي من أولى الصفات التي عرض لها، يرى أنه (ينبغي أن ينسب إليه - سبحانه - علم أسمى من علم الإنسان، ومن نوع آخر مخالف له كل المخالفة. فعلم الإنسان ليس إلا علما نسبيا؛ لأنه يكتسب على مراحل. فيبدأ بالإحساسات، ثم ينتقل إلى الإدراكات الحسية، ومنها إلى التصور والخيال، ومن الصور الخيالية الجزئية تنتزع أو تجرد المعاني الكلية.
وقد تستخدم هذه المعاني الكلية بدورها في استنباط بعض المعاني الجزئية، غير أنها تؤدي مع ذلك إلى نتائج ناقصة أو خاطئة) " فابن رشد "