للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلى الله عليه وسلم -: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له في أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل (١)».

فقد أشير في هذا الحديث إلى الدرجات الإيمانية الثلاث، والحديث صريح في الدرجات الثلاث بالنسبة للذين يحاربون البدعة ويجاهدون ضد الذين يحاربون الدين وشريعته، ولكن الأمر ليس محصورا في الرد على المبتدعة فقط، بل هو سار في جميع ميادين العلم والعمل، ولكن المجال الأكبر والأوسع لهذا هو الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله، وتبليغ دين الله إلى البشرية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومواجهة أعداء الله وأصحاب البدع.

والطبقة المثلى من الطبقات الثلاث والدرجة العليا من درجات الإيمان هم الذين اختارهم الله لإصلاح البشرية، ودعوة الشعوب والأقوام إلى الحق الذي لا مرية فيه، وهم الذين يستنيرون بنور النبوة، وينهجون منهج الأنبياء، ويسلكون السبيل الذي هو سبيل الحق والرشاد، وهم ورثة الأنبياء بكل ما تعني الكلمة من المعاني السامية.

ولكن هؤلاء العظماء لا يأتون في كل زمان، ولا يأتون إلا في عدد قليل، إنهم لا يأتون إلا ليصلحوا ما أفسده الناس في عصرهم، وما لم يستطع أن يصلحه كبار ذلك العصر وعلماؤه ومصلحوه ودعاته، إنهم لا يبالون بالعراقيل التي تواجههم في الطريق، ولا يخافون في الله لومة لائم، ولا يخضعون للمصائب والبلايا التي تريد أن تسد عليهم الطريق إلى الأمام، وهم لا يقفلون أبواب بيوتهم على أنفسهم خوفا من الشدائد وحفاظا على أنفسهم، زاعمين أن الفتن ادلهمت، والشرور


(١) رواه مسلم، الإيمان، حديث رقم / ٨٠ والترمذي: الزهد، باب / ٣٩ والنسائي: البيعة، باب / ٣٣.