يؤكد جورجي زيدان في كتابه (آداب اللغة العربية) تأثير القرآن في أخلاق أهله وعقولهم وقرائحهم ومعاملاتهم. فالصبغة القرآنية أو الإسلامية - كما يقول - تظهر في مؤلفات المسلمين، ولو كانت في موضوعات علمية. . كالفلسفة والفلك والحساب، فضلا عن العلوم أو الآداب الشرعية.
وبعد أن يشير جورجي زيدان إلى تأثير القرآن في حياة المسلمين المعاشية والاجتماعية يقول:". . وهذا ما لا نراه في الأناجيل - مثلا - فإنها كتب تعليمية لمصلحة الآخرة فقط. ولا نجد فيها شرعا، ولا حكومة ولا أحوالا شخصية. . أو نحو ذلك ". ثم يضيف:" وبالجملة فإن للقرآن تأثيرا في آداب اللغة العربية، ليس لكتاب ديني مثله في اللغات الأخرى ". وجورجي زيدان هذا - كما نعلم - كاتب مسيحي معروف. . فاعترافه بتأثير القرآن على المسلمين خلقا وأدبا ولغة وثقافة، وخلو الكتب الأخرى، ومنها الأناجيل، من هذا التأثير - اعترافه هذا له قيمته الكبيرة، ودلالته الخاصة.
وفي كتاب " اللغات السامية " لأرنست رينان تأكيد آخر لأثر الإسلام في انتشار اللغة العربية، فهو يقول:" إن من أغرب ما وقع في تاريخ البشر، وصعب حل سره: انتشار اللغة العربية. . حيث بدت فجأة في غاية السلامة والغنى والكمال، فليس لها طفولة ولا شيخوخة. ولم يمض على فتح الأندلس أكثر من خمسين سنة حتى اضطر رجال الكنيسة أن يترجموا صلواتهم إلى اللغة العربية ليفهمها النصارى ".
كما يقول المستشرق برنارد لويس في كتابه " العرب في التاريخ ":
" إن موجات الفتح الكبرى التي تلت موت محمد - صلى الله عليه وسلم - وإقامة الخلافة على أرس الأمة الإسلامية الناشئة قد سطرت بحروف كبرى كلمة " عرب " على خريطة القارات الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا، وجعلت منها عنوانا لفصل حاسم رغم قصره، في تاريخ الفكر والأعمال البشرية ".
نكتفي بهذه الآراء والنظريات الحاسمة، لبعض أئمة اللغة والأدب والتاريخ - في القديم والحديث - مسلمين وغير مسلمين. . كحجة ساطعة قاطعة على مدى التلازم الوثيق والارتباط الشامل بين انتشار الإسلام بالعربية، وانتشار العربية بالإسلام، لأنها لسانه المبين، ولغته الساحرة، ولأنه هو روحها النافذ وعقلها الرشيد.