ويقول الإمام الشوكاني تعليقا على حديث عائشة:«إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة» في (نيل الأوطار ٦/ ٣١٣): (فيه دليل على أفضلية النكاح مع قلة المهر، وأن الزواج بمهر قليل مندوب إليه؛ لأن المهر إذا كان قليلا، لم يستصعب النكاح من يريده؛ فيكثر الزواج المرغب فيه، ويقدر عليه الفقراء، ويكثر النسل الذي هو أهم مطالب النكاح، بخلاف ما إذا كان المهر كثيرا، فإنه لا يتمكن منه إلا أرباب الأموال، فيكون الفقراء الذين هم الأكثر في الغالب غير مزوجين، فلا تحصل المكاثرة التي أرشد إليها النبي - صلى الله عليه وسلم).
وقال الصنعاني في (سبل السلام ٣/ ١١٣): (أنه لا بد من الصداق في النكاح، وأنه يصح أن يكون شيئا يسيرا، فإن قوله: «ولو خاتما من حديد (١)» مبالغة في تقليله؛ فيصح بكل ما تراضى عليه الزوجان، أو من إليه ولاية العقد مما فيه منفعة، وأنه ينبغي ذكر الصداق في العقد؛ لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة، فلو عقد بغير ذكر صداق صح ووجب لها مهر المثل بالدخول، وأنه يستحب تعجيل المهر، ويصح أن يكون منفعة كالتعليم، فإنه منفعة ويقاس عليه غيره، ويدل عليه قصة موسى مع شعيب، وقوله: بما معك من القرآن يحتمل وجهين: أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن ويكون ذلك صداقا، ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة:" فعلمها من القرآن " ويحتمل أن الباء للتعليل، وأنه زوجه بها بغير صداق إكراما له؛ لكونه حافظا لبعض القرآن).
وقد اعتمد بعض الفقهاء في جعلهم عشرة دراهم حدا أدنى للمهر على حديث جابر:(لا مهر أقل من عشرة دراهم)، إلا أن هذا الحديث لم يصح، فقد أخرجه الدارقطني في سننه (٣/ ٢٤٤) وقال: فيه مبشر بن عبيد، متروك الحديث، أحاديثه لا يتابع عليها، كما أخرجه البيهقي من طريقه (٧/ ٢٤٠)، ثم ذكر قول أبي علي الحافظ: فيه مبشر بن عبيد، وقد أجمعوا على تركه، وكان أحمد بن حنبل يرميه بوضع الحديث، وذكره
(١) صحيح البخاري فضائل القرآن (٥٠٢٩)، صحيح مسلم النكاح (١٤٢٥)، سنن الترمذي النكاح (١١١٤)، سنن النسائي النكاح (٣٢٨٠)، سنن أبو داود النكاح (٢١١١)، سنن ابن ماجه النكاح (١٨٨٩)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٣٦)، موطأ مالك النكاح (١١١٨)، سنن الدارمي النكاح (٢٢٠١).