للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال صاحب عون المعبود (٦/ ١١٦): (والاستئذان عندهم إنما هو على استطابة النفس دون الوجوب، وليس ذلك بشرط في صحة العقد).

وذهب ابن القيم إلى ترجيح قول أبي حنيفة، من أن البكر لا تجبر على النكاح من غير رضاها؛ لأن ذلك هو الموافق لحكم النبي - صلى الله عليه وسلم

- وقواعد الشرع، ومصالح الأمة، قال - رحمه الله (زاد المعاد ٥/ ٩٦): (وموجب هذا الحكم أنه لا تجبر البكر البالغ على النكاح، ولا تزوج إلا برضاها، وهذا قول جمهور السلف، ومذهب أبي حنيفة، وأحمد في إحدى الروايات عنه، وهو القول الذي ندين الله به ولا نعتقد سواه، وهو الموافق لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره ونهيه وقواعد شريعته ومصالح أمته: أما موافقته لحكمه، فإنه حكم بتخيير البكر الكارهة. وأما موافقة هذا القول لأمره فإنه قال: والبكر تستأذن، وهذا أمر مؤكد؛ لأنه ورد بصيغة الخبر الدال على تحقق المخبر به وثبوته ولزومه، والأصل في أوامره - صلى الله عليه وسلم - أن تكون للوجوب ما لم يقم إجماع على خلافه. أما موافقته لنهيه فلقوله: «لا تنكح البكر حتى تستأذن (١)»، وهذا إثبات للحكم بأبلغ الطرق، أما موافقته لقواعد شرعه، فإن البكر البالغ العاقلة الراشدة لا يتصرف أبوها في أقل شيء من مالها إلا برضاها، ولا يجبرها على إخراج اليسير منه دون رضاها، فكيف يجوز أن يرقها، ويخرج بضعها منها بغير رضاها إلى من يريده هو، وهي من أكره الناس فيه، وهو من أبغض شيء إليها، ومع هذا ينكحها إياه قهرا بغير رضاها إلى من يريده، ويجعلها أسيرة عنده. أما موافقته لمصالح الأمة، فلا يخفى مصلحة البنت في تزويجها بمن تختاره وترضاه، وحصول مقاصد النكاح لها به، وحصول ضد ذلك بمن تبغضه وتنفر عنه، فلو لم تأت السنة الصريحة بهذا القول لكان القياس الصحيح وقواعد الشريعة لا تقتضي غيره).

أما إذا كانت البنت أو المرأة تحب المتقدم لخطبتها، وتميل إليه فالأولى تزويجها منه:


(١) صحيح البخاري النكاح (٥١٣٦)، سنن الترمذي النكاح (١١٠٧)، سنن النسائي النكاح (٣٢٦٥)، سنن أبو داود النكاح (٢٠٩٢)، سنن ابن ماجه النكاح (١٨٧١)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٣٤)، سنن الدارمي النكاح (٢١٨٦).