للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الصليبيين الذين أرادوا إحياء مقدساتهم في القدس الشريف، وقد حاولوا الهجوم على الحرمين الشريفين أكثر من مرة، وسوف أعرض في عجالة لأهم هذه الحركات وأخطرها.

أ) مقولات من الغزو الفكري حول مكانة الحرمين:

الحقيقة أن هذه قضية من القضايا المهمة التي لها أبعادها في التاريخ الإسلامي لبلاد الحجاز، والتي ينبغي أن يعاد فيها النظر مرة أخرى، فإن ما تردده بعض الأقلام المعاصرة من أن الحجازيين ولا سيما أهل المدينة قد عانوا فراغا سياسيا بعد انتقال عاصمة الدولة الإسلامية من المدينة المنورة إلى دمشق ثم بغداد، ثم القاهرة، ثم الأستانة، وأن هذا الفراغ قد دفع بأهالي المدينة إلى الاستعاضة عن دورهم السياسي بالغناء والطرب، وانتشار شعر الغزل بكافة أنواعه (١).

إن مثل هذه الروايات في تقديري تعد من قبيل الغزو الفكري الذي ابتلي به المسلمون، وأراد منه المغرضون تشويه التاريخ الإسلامي، ولا سيما تاريخ الأنصار أبناء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.

قد نسلم بأن انتقال عاصمة المسلمين من المدينة المنورة قد أثر على مكانتها السياسية، إذ استحوذت كل من دمشق، ثم بغداد، ثم القاهرة، ثم الأستانة جل الأنشطة السياسية للخلفاء باعتبارها حواضر الدول الإسلامية آنذاك، ولكننا لا نسلم بالفراغ السياسي جملة، كما لا نسلم بأنه أدى إلى انحراف الحجازيين إلى مثل هذه الأنشطة الدنيوية اللاهية.

فمن المعلوم تاريخيا وفكريا أنه على الرغم من خلو المدينة المنورة من مركز الزعامة السياسية، إلا أنها هي ومكة المكرمة حزتا الزعامة الدينية للعالم الإسلامي كما شهدت المدينتان معا ثقلا سياسيا من نوع خاص بجانب زعامتهما الدينية تلك، وإن كان هذا الثقل السياسي


(١) حسن إبراهيم حسن تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، المجلد الأول ص٥٣٢ - ٥٣٦.