للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للحجازيين يأتي في إطار علاقتهما بالخلافة الأموية ثم العباسية ثم الحكام الفاطميين في مصر، باعتبارهما وقتئذ ولايتين تابعتين للخلافة، إلا أن الثقل الديني والسياسي لهما قد أوجد نظرية فكرية وسياسية تبلور مفهومهما إبان القرن الرابع الهجري، حين شهدت بلاد الحجاز صراعا من قبل الخلافة العباسية والحكام الفاطميين على الظفر برعاية الحرمين الشريفين، إذ أصبح من المسلم به في الأوساط الرسمية والشعبية أن الخليفة الشرعي الممثل للمسلمين هو من دعي له على منابر مكة والمدينة؛ وبذلك يضفي على خلافته صفتها الشرعية، ويمتلك منبرا قويا للتأثير على مشاعر المسلمين الذين احتشدوا من كل فج عميق لأداء فريضة الحج، ومن يتتبع علاقات الحجازيين بالخلافة العباسية والدولة الفاطمية ثم الدولة البويهية والأيوبية، وأخيرا دولتي: بني رسول وبني نجاح في اليمن - يدرك تماما أهمية تلك النظرية بجانبيها الفكري والسياسي في تأصيل تلك الدول واتخاذها صفة الشرعية السياسية في نظر المسلمين.

ولعل هذه النظرية هي تلك التي ألهبت الصراع بين الدولة العباسية السنية والفاطميين الشيعة منذ أن قامت دولة الفاطميين الأولى في الشمال الإفريقي، فعلى الرغم من تمذهب الفاطميين بالمذهب الإسماعيلي الذي لم يلق اهتماما من المسلمين، إلا أنهم لم يغمضوا جفونهم عن محاولة الاستيلاء على الحرمين، وقد بدأت محاولاتهم الأولى مبكرة في عهد عبيد الله المهدي وابنه القائم، إذ حاول الاثنان أن يستميلا أهل الحجاز، وعندما فشلت محاولاتهما المتكررة أوعزا إلى القرامطة بتأديبهم، فما كان من هؤلاء إلا أن اعتدوا على الحجيج، وامتدت أعمالهم التخريبية إلى الكعبة - صانها الله، وعلى ما يبدو فإن عبيد الله المهدي لم يرقه الظفر برعاية الحرمين بهذا الأسلوب الذي أحنق عليه المسلمين جميعا؛ فنراه يسارع بإظهار الاستياء، وإنكاره الشديد لهذا الحادث، ويبعث برسالة شديدة اللهجة إلى مدبره، قائلا فيها: " سجلت علينا في التاريخ نقطة سوداء لا تمحوها الليالي والأيام "، ثم يقول في موضع آخر من الرسالة: