للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الكمال ابن الهمام في فتح القدير (١): ومن لا يوجد عندهم وقت العشاء كما قيل يطلع الفجر قبل غيبوبة الشفق عندهم، أفتى البقالي بعدم الوجوب عليهم؛ لعدم السبب، وهو مختار صاحب الكنز، كما يسقط غسل اليدين من الوضوء عن مقطوعهما من المرفقين، وأنكره الحلواني ثم وافقه، وأفتى الإمام البرهاني الكبير بوجوبها. ولا يرتاب متأمل في ثبوت الفرق بين عدم محل الغرض وبين عدم سببه الجعلي الذي جعل علامة على الوجوب الخفي الثابت في نفس الأمر، وجواز تعدد المعرفات للشيء، فانتفاء الوقت انتفاء للمعرف، وانتفاء الدليل على الشيء لا يستلزم انتفاءه لجواز دليل آخر. وقد وجد وهو ما تواطأت عليه أخبار الإسراء من فرض الله الصلاة خمسا بعدما أمروا أولا بخمسين، ثم استقر الأمر على الخمس شرعا عاما لأهل الآفاق، لا تفصيل فيه بين أهل قطر وقطر - وما روي: «ذكر الدجال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قلنا: ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. فقيل: يا رسول الله: اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم. قال: لا: اقدروا له (٢)». رواه مسلم. فقد أوجب فيه ثلاثمائة عصر قبل صيرورة الظل مثلا، أو مثلين، وقس عليه، فاستفدنا أن الواجب في نفس الأمر خمس على العموم، غير أن توزيعها على تلك الأوقات عند وجودها فلا يسقط بعدمها الوجوب - وكذا قال صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد (٣)». ومن أفتى بوجوب العشاء يجب على قوله الوتر. اهـ. كلام الكمال ابن الهمام.

وقال الزيلعي في شرحه على الكنز (٤):

من لم يجد وقت العشاء والوتر، بأن كان في بلد يطلع الفجر فيه كما تغرب الشمس، أو قبل أن يغيب الشفق، لم يجبا عليه؛ لعدم السبب، وهو الوقت، وذكر المرغيناني أن الشيخ برهان الدين الكبير أفتى بأن عليه صلاة


(١) ص ١٥٦ جـ ١.
(٢) صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (٢٩٣٧)، سنن الترمذي الفتن (٢٢٤٠)، سنن أبو داود الملاحم (٤٣٢١)، سنن ابن ماجه الفتن (٤٠٧٥)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٨٢).
(٣) سنن النسائي كتاب الصلاة (٤٦١)، سنن أبو داود الصلاة (١٤٢٠)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٤٠١)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٢٢)، موطأ مالك كتاب النداء للصلاة (٢٧٠)، سنن الدارمي الصلاة (١٥٧٧).
(٤) ص ٨١ جـ ١.