للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عائشة وابن عمر رضي الله عنهما ما يدل على منعها. أما مسألة التورق التي يسميها بعض الناس الوعدة فهي معاملة أخرى ليست من جنس مسألة العينة؛ لأن المشتري فيها اشترى السلعة من شخص إلى أجل وباعها من آخر نقدا من أجل حاجته للنقد، ليس في ذلك حيلة على الربا؛ لأن المشتري غير البائع، ولكن كثيرا من الناس في هذه المعاملة لا يعملون بما يقتضيه الشرع في هذه المعاملة، فبعضهم يبيع ما لا يملك ثم يشتري السلعة بعد ذلك ويسلمها للمشتري، وبعضهم إذا اشتراها يبيعها وهي في محل البائع قبل أن يقبضها القبض الشرعي، وكلا الأمرين غير جائز؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك (١)».

وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك (٢)»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه (٣)». قال ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا نشتري الطعام جزافا فيبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينهانا أن نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا (٤)». وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أيضا أنه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.

ومن هذه الأحاديث وما جاء في معناها يتضح لطالب الحق أنه لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة ليست في ملكه ثم يذهب فيشتريها، بل الواجب تأخير بيعها حتى يشتريها ويحوزها إلى ملكه، ويتضح أيضا أن ما يفعله كثير من الناس من بيع السلع وهي في محل البائع قبل نقلها إلى ملك المشتري، أو إلى السوق، أمر لا يجوز؛ لما فيه من مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما فيه من التلاعب بالمعاملات وعدم التقيد فيها بالشرع المطهر، وفي ذلك من الفساد والشرور والعواقب الوخيمة ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، نسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق للتمسك بشرعه والحذر مما يخالفه.

أما الزيادة التي تكون بها المعاملة من المعاملات الربوية فهي التي تبذل لدائن بعد حلول الأجل ليمهل المدين وينظره، فهذه


(١) سنن الترمذي البيوع (١٢٣٢)، سنن النسائي البيوع (٤٦١٣)، سنن أبو داود البيوع (٣٥٠٣)، سنن ابن ماجه التجارات (٢١٨٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٤٠٢).
(٢) سنن الترمذي البيوع (١٢٣٤)، سنن النسائي البيوع (٤٦١١)، سنن أبو داود البيوع (٣٥٠٤)، سنن ابن ماجه التجارات (٢١٨٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٤٠٣)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٦٠).
(٣) صحيح البخاري البيوع (٢١٢٤)، صحيح مسلم البيوع (١٥٢٦)، سنن النسائي البيوع (٤٦٠٦)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٩٩)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٢)، موطأ مالك البيوع (١٣٣٧)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٥٩).
(٤) صحيح البخاري البيوع (٢١٢٤)، صحيح مسلم البيوع (١٥٢٦)، سنن النسائي البيوع (٤٦٠٦)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٩٩)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٤٢)، موطأ مالك البيوع (١٣٣٧)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٥٩).