للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه لا يستطيع تأديتها بالعربية، أفنضطره على أن ينطق بهذا اللفظ مع عدم معرفته لمعناه؟ لا شك أن هذا شبه مستحيل، ويصعب على أي عاقل أن ينطق بكلام لا يفهم معناه ويوافق على تدوينه والتوقيع عليه. وإذا صرف النظر عن شهادته فسيضيع الحق إذا كانت قد تعينت عليه الشهادة لكمال النصاب به.

وإذا اكتفى بإدلائه بشهادته بلغته، ثم ترجمت إلى العربية - وهذا هو الافتراض الذي أرى أنه لا محيد عنه من لدن أي عاقل يدرك سماحة الشريعة وحرصها على حقوق الناس - فإن الترجمة حينئذ لن تكون حرفية، فقد يمليها المترجم بلفظ أعلم أو أتيقن، أو غيرهما مما يفيد علمه بالواقعة، فهل نصرف النظر عن هذه الشهادة لعدم قول المترجم لفظ: أشهد؟!

كما أن المترجم قد يترجم لفظ أعلم أو أتيقن بلغة الشاهد إلى لفظ أشهد، وتكون الشهادة المملاة من الناقل وهو المترجم مغايرا لفظها للفظ الصادر من الشاهد، فيكون ظاهر الحكم على هذه الشهادة صحيحا وباطنه باطلا. بخلاف الحالة الأولى حيث يطابق فيها لفظ لغة الشاهد للفظ: أشهد مع ترجمتها إلى أعلم أو أتيقن، فيكون ظاهر هذه الشهادة باطلا وباطنها صحيحا. وعندئذ فإنه سيكون هناك مشقة على المسلمين عند تأدية الشهادات وتحملها، سيما في البلاد التي تكثر فيها اللغات، والله تعالى يقول: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (١) {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (٢).

قال ابن عباس في تفسير هاتين الآيتين: لا يغلب عسر يسرين (٣)، والدين الإسلامي في غاية اليسر والسماحة والمثالية ومراعاة مصالح الناس، وإن الشريعة مقاصدها المحافظة على مصالح الناس، وكيان المجتمع


(١) سورة الشرح الآية ٥
(٢) سورة الشرح الآية ٦
(٣) تفسير القرطبي جـ ٢٠ ص ١٠٧.