للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولهم: إن رفع الحكم لا يكون إلا بعد العمل به غير مسلم به، يجوز أن يرفع الحكم قبل التمكن من العمل به على الأرجح. وفائدة الأمر الأول ظهور عزم المطيع على العمل، وعزم العاصي على المعصية (١).

الدليل الثاني: أن الصيغة موضوعة للعموم حقيقة، والتخصيص متوهم، فلا يجوز تأخير العمل بالعام لتوهم الخصوص، كما أن الحقائق لا يتوقف فهم معانيها، والعمل بها على البحث عن القرائن الصارفة لها عن حقيقتها إلى المجاز. فإذا وجب التمسك بالحقيقة والعمل بها من غير بحث عما يصرفها عن حقيقتها إلى المجاز فكذلك يجب العمل بالعام من غير بحث عما يصرفه عن عمومه إلى الخصوص (٢).

- المناقشة:

اعترض على هذا الاستدلال بأن صيغة العموم تخالف سائر الحقائق في أنه إذا خص من العموم بعض أفراده لم يصر مجازا في الباقي، والحقائق إذا صرفت عما وضعت له صارت مجازات عند الجميع.

ودفع هذا الاعتراض بأنه قد اشترك العام مع سائر الحقائق في أنه موضوع لمعناه حقيقة، وإنما قلنا: إنه بعد التخصيص لا يصير مجازا؛ لأن البعض الباقي ليس غير ما وضع له اللفظ، والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لقرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي (٣).

وهذا الجواب كما هو واضح لا يتمشى إلا مع مذهب القائلين بأن التخصيص لا يصير العام مجازا. وأما من قال: إنه يصير مجازا فلا يخفى أن الاعتراض لا يرد عليه أصلا.

الدليل الثالث: أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة رضوان الله عليهم


(١) الواضح (٢/ ٩٥، ٩٦).
(٢) العدة (٢/ ٥٢٨)، والواضح (٢/ ٩٥)، والمحصول (١/ ٣ / ٣٠).
(٣) راجع الواضح (٢/ ٩٦).