وكل القادة المنتصرين بعد الفتح الإسلامي كانوا متدينين غاية التدين. . . فمن أين جاء المستعمرون بفرية التناقض بين التدين والعسكرية؟! ".
...
لا حدود لسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - دروسا وعبرا، فهو الأسوة الحسنة للمسلمين في كل زمان ومكان، يتعلم منها من يتعلم ما يفيده في حاضره ومستقبله، وقد صدرت كتب وبحوث ودراسات في العربية وغيرها، كتبها مسلمون وغير مسلمين في السيرة المطهرة لم تصدر عشر معشارها عن شخصية أخرى منذ خلق الله الإنسان حتى اليوم، وستصدر أضعافها في المستقبل القريب والبعيد بحول الله. وقد أجرت هيئة تابعة للأمم المتحدة خاصة بالعلوم والآداب والفنون إحصائية عن الكتب والبحوث والمؤلفات التي نشرت عن الشخصيات العالمية، فتفوق ما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما صدر عن الشخصيات الأخرى فواقا بعيدا.
وقد أمعنت النظر في حياته المباركة، فوجدتها تتلخص في التوحيد والجهاد.
لقد وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة منذ مبعثه حتى هجرته من أجل الجهاد، وحد الأفكار بالتوحيد، ووحد الصفوف بالتوحيد، ووحد الأهداف بالتوحيد.
وجاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة منذ هجرته إليها حتى التحق بالرفيق الأعلى من أجل التوحيد. ففرض الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا.
كانت همته بناء الرجال، وكان سبيله التوحيد من أجل الجهاد، والجهاد من أجل التوحيد، وبالتوحيد أشاع الانسجام الفكري بين العرب، وهذا الانسجام جعل التعاون بينهم ممكنا، فوحد لأول مرة في التاريخ شبه الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام، توحيدا لم يستطعه أحد غيره قبل الإسلام وبعده، فكان فضل الله عليه وعلى أصحابه عظيما.
وحين هاجر - عليه أفضل الصلاة والسلام - إلى المدينة، شرع ببناء المسجد وعمل مع أصحابه في تشييده، فكان هذا المسجد الثكنة الأولى في الإسلام.
فقد كان - عليه الصلاة والسلام -، يحشد أصحابه في المسجد، ويحرضهم على الثبات في القتال، وتنطلق الغزوات والسرايا من المسجد، ويجتمع أصحابه حين يداهمهم الخطر في المسجد، ويعود المنتصرون من الغزوات والسرايا إلى المسجد، وتضمد جروح المصابين في المسجد.
والفرق بين الغزوات والسرايا معروف. . . الغزوات هي التي قادها النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه،