للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسرايا هي التي تولى قيادتها قادة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

أخرج الشيخان واللفظ لمسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعا وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة - رضي الله عنه - يجري في عنقه السيف وهو يقول: " لم تراعوا لم تراعوا (١)».

سبق عليه الصلاة والسلام جماعة الاستطلاع إلى الصوت، وكان الصحابة في المسجد عليهم السلام جاهزين لتنفيذ أوامر الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام.

لقد كان المسجد في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم مثابة للمجاهدين والمثابة هي مكان اجتماع القائد بجنوده، وكان المنادي يهتف: الصلاة جامعة حين يتهدد المسلمين خطر من الأخطار، فيتقاطر المجاهدون زرافات ووحدانا إلى المسجد عليهم السلاح، ليقاوموا الخطر ويقضوا على مصدره تنفيذا لخطة قائد واحد، تحقيقا لهدف واحد، هو الدفاع عن الإسلام حتى تكون كلمة الله هي العليا.

ولست بحاجة أن أثبت قابلية النبي - صلى الله عليه وسلم - القيادية: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (٢) ولكن الفضل ما شهدت به الأعداء.

كتب المشير اللورد مونتكومري في آخر كتاب ألفه صدر سنة ١٣٨٥ هـ (١٩٦٥م) بعنوان: السبيل إلى القيادة، ما نصه (محمد أعظم قائد في التاريخ).

ولست أعتز بهذه الشهادة ولا قيمة لها في نظري، ولكنني ذكرتها خاصة للذين لا تطربهم مغنية الحي، عبيد الاستعمار الفكري البغيض.

...

وبقي للمسجد مكانته السامية مثابة للمجاهدين في أيام الفتح الإسلامي منذ بدأ الفتح الإسلامي العظيم سنة إحدى عشرة من الهجرة حتى توقف سنة أربع وتسعين من الهجرة، فامتدت دولة الإسلام من حدود الصين شرقا إلى قلب فرنسا غربا، ومن سيبيريا شمالا إلى المحيط جنوبا، وكان سبب


(١) صحيح البخاري الأدب (٦٠٣٣)، صحيح مسلم الفضائل (٢٣٠٧)، سنن الترمذي الجهاد (١٦٨٧)، سنن أبو داود الأدب (٤٩٨٨)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٧٧٢)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٤٧).
(٢) سورة الأنعام الآية ١٢٤