للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - أن المبلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز له أن يؤدي بعضا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم دون بعض، ولا يجوز له أن يكتم ماله أثر في الحكم، وإلا لكان ملبسا. فوجب أن يكون من سمعه من غير النبي صلى الله عليه وسلم كمن سمعه منه؛ لأنه سمع لفظ النبي بنصه من غير زيادة ولا نقصان.

٣ - أن صيغ العموم موضوعة للدلالة عليه، فلا يختلف مدلولها باختلاف الناطقين بها، فيستوي في ذلك من سمع الدليل العام من النبي، ومن سمعه من غيره بنقل العدول الثقات (١) ج - أنه يجوز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص لمن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم دون من بعده، وقد ذكر المحلي في شرحه على جمع الجوامع أن الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني نقل الإجماع على ذلك (٢)، ولكن سبق أن عرفنا أن هذا النقل ليس بدقيق.

وهذا القول أوسع من الذي قبله؛ لأن ما قبله لا يجيز العمل إلا لمن سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، أما هذا القول فيجوزه لمن في عهد النبي سواء سمعه منه مباشرة أم بواسطة.

ولعل أصحاب هذا القول احتجوا بأن من في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليهم المخصص إن وجد، بخلاف من بعدهم فربما خفي عليهم.

وهذا الاستدلال ليس بسديد؛ لأن من في عهد النبي عليه السلام قد تخفى عليهم بعض المخصصات كما خفي على فاطمة رضي الله عنها تخصيص آية الميراث بحديث «لا نورث، ما تركناه صدقة (٣)».

وأيضا فإن التابعين، ومن بعدهم فيهم من هو أعلم بكثير ممن في عهد


(١) الواضح (٢/ ٩٦ - ٩٧).
(٢) شرح المحلى على جمع الجوامع (٢/ ٨).
(٣) صحيح البخاري كتاب فرض الخمس (٣٠٩٤)، صحيح مسلم الجهاد والسير (١٧٥٧)، سنن الترمذي السير (١٦١٠)، سنن النسائي قسم الفيء (٤١٤٨)، سنن أبو داود كتاب الخراج والإمارة والفيء (٢٩٦٣)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٠٨).