للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه (١). فمتى زالت الضرورة عاد التحريم إلى الجريان.

وهذه خاصة من خواص الرخصة، وهو الفاصل بين ما شرع من الحاجيات الكلية وما شرع من الرخص (٢).

غير أنه لا بد من التنبه إلى قضية في غاية الأهمية تتوقف عليها هذه الرخصة، وترتبط بها وجودا وعدما، وهي الأمن من الفتنة في الدين، والتمكن من إقامته والمجاهرة به بحرية تامة.

وواضح أن المراد لا ينحصر في مجرد القدرة على النطق بالشهادتين والصلاة والعبادات البدنية الأخرى، وإلا لما استثنى الله المستضعفين في قوله:

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (٣) {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (٤).

ولو حمل على مجرد العبادة لتساوى المستثنى والمستثنى منه - لأنه لا يتصور في المستضعف أنه يترك عبادة ربه - وبالتالي سوف يؤدي إلى بطلان فائدة تعلق الوعيد بالقادر على الهجرة دون من لم يقدر (٥) وهذا عبث ينزه القرآن الكريم عنه. ومما يزيد المقام بيانا سبب النزول.

فقد روى ابن عباس، قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بإسلامهم، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم


(١) الموافقات للشاطبي (١/ ٣٠١).
(٢) الموافقات للشاطبي (١/ ٣٠٣).
(٣) سورة النساء الآية ٩٧
(٤) سورة النساء الآية ٩٨
(٥) ينظر الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن: الدرر السنية (٩/ ٣٨١).