يوافقهم أهل السنة حتى تهددوا بعضهم بالقتل، وقيدوا بعضهم، وعاقبوهم وأخذوهم بالرهبة والرغبة. وثبت الإمام أحمد على ذلك الأمر حتى حبسوه مرة، ثم طلبوا أصحابهم لمناظرته، فانقطعوا معه في المناظرة يوما بعد يوم. . . (وذكر خبر المحنة).
إلى أن قال ابن تيمية:". . . ثم صارت هذه الأمور سببا في البحث عن مسائل الصفات وما فيها من النصوص والأدلة والشبهات من جانبي المثبتة والنفاة. وصنف الناس في ذلك مصنفات. وأحمد وغيره من علماء السنة والحديث، ما زالوا يعرفون فساد مذهب الروافض والخوارج والقدرية والجهمية والمرجئة، ولكن بسبب المحنة كثر الكلام، ورفع الله قدر هذا الإمام، فصار إماما من أئمة السنة وعلما من أعلامها، لقيامه بإعلامها وإظهارها، واطلاعه على نصوصها وآثارها، وبيانه لخفي أسرارها، لا لأنه أحدث مقالة أو ابتدع رأيا.
ولهذا قال بعض شيوخ المغرب: المذهب لمالك والشافعي، والظهور لأحمد. يعني أن مذهب الأئمة في الأصول مذهب واحد، وهو كما قال" (١).
وقال شيخ الإسلام في موضع آخر: ". . . وأحمد إنما اشتهر أنه إمام أهل السنة، والصابر على المحنة، لما ظهرت محن الجهمية الذين ينفون صفات الله تعالى، ويقولون: إن الله لا يرى في الآخرة، وإن القرآن ليس هو كلام الله، بل هو مخلوق من المخلوقات، وإنه تعالى ليس فوق السماوات، وإن محمدا لم يعرج إلى الله، وأضلوا بعض ولاة الأمر، فامتحنوا الناس بالرغبة والرهبة، فمن الناس من أجابهم رغبة، ومن الناس من أجابهم رهبة، ومنهم من اختفى فلم يظهر لهم. وصار من لم يحبهم قطعوا رزقه وعزلوه عن ولايته، وإن كان أسيرا لم يفكوه ولم يقبلوا شهادته، وربما قتلوه أو حبسوه.
(١) منهاج السنة النبوية (٢/ ٤٨٢ - ٤٨٦) ت. محمد رشاد سالم.