للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمحنة مشهورة معروفة، كانت في إمارة المأمون، والمعتصم، والواثق. ثم رفعها المتوكل، فثبت الله الإمام أحمد فلم يوافقهم على تعطيل صفات الله تعالى، وناظرهم في العلم فقطعهم، وعذبوه فصبر على عذابهم، فجعله الله من الأئمة الذين يهدون بأمره. كما قال تعالى:

{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (١).

فمن أعطي الصبر واليقين جعله الله إماما في الدين، وما تكلم به من السنة فإنما أضيف له لكونه أظهره وأبداه لا لكونه أنشأه وابتدأه، وإلا فالسنة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فأصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وما قاله الإمام أحمد هو قول الأئمة قبله، كمالك والثوري، والأوزاعي، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وقول التابعين قبل هؤلاء، وقول الصحابة الذين أخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأحاديث السنة معروفة في الصحيحين وغيرهما من كتب الإسلام.

والنقل عن أحمد وغيره من أئمة السنة متواتر بإثبات صفات الله تعالى، وهؤلاء متبعون في ذلك ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأما أن المسلمين يثبتون عقيدتهم في أصول الدين بقوله - أي: بقول الإمام أحمد - أو بقول غيره من العلماء، فهذا لا يقوله إلا جاهل" (٢).

هذا الثبات العظيم الذي ثبته الإمام أحمد رحمه الله تعالى، جعل علماء عصره يثنون عليه ثناء كثيرا لشدة إعجابهم به ولاعترافهم بشجاعته وقدرته. وإليك ثناء بعض منهم: قال إسحاق بن راهويه: "لولا أحمد وبذل نفسه لما بذلها لذهب الإسلام" (٣).

وحينما عوتب يحيى بن معين في المحنة، قال: "أراد الناس منا أن


(١) سورة السجدة الآية ٢٤
(٢) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٦/ ٢١٤ - ٢١٥). وانظر لوامع الأنوار البهية (١/ ٦٥).
(٣) الحلية (٩/ ١٧١) ومناقب الإمام (ص١١٦) وتاريخ الإسلام (ص١٣) وطبقات الحنابلة (١/ ١٣).