للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله، فالعدل كل العدل أن يعاقب من يستحق العقاب، وليس أجدر بذلك النوع من العقاب إلا المجرمون الذين تقتضي طبيعة جرائمهم أن تتم في الخفاء الذي يترك الرهبة والرعب الشديد في نفوس الناس.

وقد قال الله تعالى بعد تقرير عقوبة السرقة: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} (١).

فإن هذا النص يدل على أن العقوبة مكافئة ومساوية للجريمة بكل آثارها الناتجة عنها، مما تحدثه السرقة من ترويع وإفساد، وكل ما يمكن السارق من تحقيق مأربه، ولو أدى ذلك إلى القتل، فإن طبيعة السارق موسومة بالشراهة والنهم، فلا يهمه إلا ما يحصل عليه من أموال الناس، من أجل ذلك شدد الشارع في تلك العقوبة حتى يردع الإثم ويطمئن الأمن.

ولما كانت العقوبة مرتبة على ما تشيعه السرقة من خوف واضطراب، بدليل أن الشارع قطع يد السارق في ربع دينار، كما قطع يد سارق الأكثر. ولو كان القطع على ذات الفعل لتفاوتت العقوبة في كل منهما) (٢).

يقول العز بن عبد السلام في قواعده: (إن السرقتين استويتا في المفسدتين، وما ذلك إلا بأثرهما على الجماعة وإلا فإنه لا وجه لتساويهما كما هو ظاهر، وقد جعل الله تلك العقوبة نكالا تمنع الغير من ارتكاب السرقة اعتبارا بما وقع للسارق المقطوعة يده من شدة وحزم. وإن مادة النكال من نكل بفلان إذا صنع به صنعا يحذر منه غيره إذا رآه، ومنه قول الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} (٣) أي عبرة.


(١) سورة المائدة الآية ٣٨
(٢) مكافحة جريمة السرقة في الإسلام، ص ٢٠٤.
(٣) سورة البقرة الآية ٦٦