ما يستحقه الجاني من عقاب حتى يكون العقاب مكافئا للجريمة، ولم يترك تحديد العقاب على السرقة إلى اجتهاد أو نظر أو رأي جماعة؛ لما في ذلك من التناقض الذي لا تؤمن عاقبته ولا يضمن فيه تحقيق العدالة التي يجد الناس فيها أمانا من الظلم والقهر، بل إن من رحمته سبحانه وتعالى بعباده ورأفته بهم أن تكفل بتقرير العقوبات على الخطير من الجرائم حتى تحفظ الضروريات الخمس التي هي حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ النسل، وحفظ العرض، وحفظ المال، وجعل لكل جريمة عقوبة تناسب ما قد يخفى علينا تعقلها ومعرفة الحكمة منها.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا المعنى ما نصه:
(فلما تفاوتت مراتب الجنايات لم يكن بد من تفاوت مراتب العقوبات، وكان من المعلوم أن الناس لو وكلوا على عقولهم في معرفة ذلك، وترتيب كل عقوبة على ما يناسبها من الجناية جنسا ووضعا وقدرا لذهبت بهم الآراء كل مذهب، وتشعبت بهم الطرق كل مشعب، ولعظم الاختلاف واشتد الخطب، فكفاهم أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين مؤنة ذلك، وأزال عنهم كلفته، وتولى بحكمته وعدله ورحمته تقديره نوعا وقدرا، ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة وما يليق بها من النكال)(١) اهـ.
فالإسلام في أهدافه السامية معني بتوفير الحياة الكريمة والعيش المطمئن، ولا يكون ذلك إلا بحماية الفضيلة، والقضاء على الفساد والرذيلة، وكل ما شأنه أن يدنس واجهة الإسلام التي أرادها نقية ناصعة، ولما كانت الغاية السامية تبرر الوسيلة الحازمة، وأن القسوة والشدة ليست شرا دائما، كان من العدل الضرب بشدة على يد من لا يراعي مصلحة الجماعة،
(١) انظر أعلام الموقعين لابن قيم الجوزية، جزء (٢)، ص ٩٦.