للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكمة التي توافق المصلحة) (١).

وقال الدهلوي في معرض كلامه على السرقة وما يتعلق بها ما نصه: (وقال صلى الله عليه وسلم في سارق: «اقطعوه ثم احسموه» أقول: إنما أمر بالحسم لئلا يسري فيهلك؛ فإن الحسم سبب عدم السراية. وأمر عليه السلام باليد فعلقت في عنق السارق، أقول: إنما فعل هذا للتشهير وليعلم الناس أنه سارق) (٢) اهـ. أما الفقهاء رحمهم الله تعالى فلم يتعرضوا في كتبهم في الغالب لعلة الحكم الشرعي أو حكمة تشريعه، بل جل اهتمامهم بذكر الأحكام فقط، اللهم إلا بالنزر القليل الذي يأتي في معرض الكلام كقول السرخسي من جملة كلامه على قوله عليه الصلاة والسلام في حق السارق: «اذهبوا به فاقطعوه (٣)»: (فيه دليل على أن القطع للزجر، لا للإتلاف؛ لأنه أمر بالحسم بعد القطع، وهو دواء وإصلاح يتحرز به عن الإتلاف، وفيه دليل على أن التطهير لا يحصل بالحد إذا كان مصرا على ذلك، ولأنه خزي ونكال، وإنما التطهير والتكفير به في حق التائب).

ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى تحت عنوان " لماذا قطعت يد السارق ولم يقطع فرج الزاني"؟:

فصل: وأما معاقبة السارق بقطع يده وترك معاقبة الزاني بقطع فرجه ففي غاية الحكمة والمصلحة، وليس في حكمة الله تعالى ومصلحة خلقه وعنايته ورحمته بهم أن يتلف على كل جان كل عضو عصاه به، فيشرع قلع عين من نظر إلى المحرم، وقطع أذن من استمع إليه، ولسان من تكلم به، ويد من لطم غيره عدوانا، ولا خفاء بما في هذا من الإسراف والتجاوز في العقوبة، وقلب مراتبها. وأسماء الرب الحسنى وصفاته العليا


(١) تفسير المنار، جزء (٦)، ص ٣٨٠.
(٢) حجة الله البالغة، الجزء الثاني، ص ١٢٣.
(٣) سنن النسائي قطع السارق (٤٨٧٧).