للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فناسب أن يقطع العضو الذي استعانا به على ذلك {نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} (١) أي تنكيلا من الله بهما على ارتكاب ذلك الفعل، وعبرة لغيرهما، فإن قطع اليد يفضح صاحبه طول حياته، ويجلب له الخزي والعار، ويسقطه في نظر المجتمع، وهو أجدر العقوبات بمنع السرقة، وتأمين الناس على أموالهم وأرواحهم وأعراضهم.

وها هنا سؤال معروف، وهو أن قطع اليد فيه إتلاف لعضو من أعضاء الإنسان، وذلك لا يتناسب مع الجريمة إذا كانت يسيرة، فإن أقل ما تقطع فيه اليد عشرة دراهم والعقوبة شديدة. وهذا الكلام منشؤه الغفلة عن معنى الجريمة، وعن الآثار الضارة المترتبة عليها، فإنك قد عرفت أن هذه الجريمة من أشد الجرائم خطورة، فإذا فشت السرقة بين الناس فقد هددوا في أموالهم وأعراضهم وأنفسهم كما ذكرنا، وأصبحت حياتهم مريرة لا فائدة منها، فإن السارق كالحيوان المفترس الذي يفتك بكل ما يلاقيه، فجريمته يجب أن تقابل بالقسوة المتناهية كي ينقطع دابرها من بين الناس بتاتا، فإذا تخيل شخص أن العقوبة شديدة فإنه يجب أن يعلم أن فظاعة الجريمة وآثارها في المجتمع أشد وأنكى.

ثم إن العقوبات لم توضع إلا لزجر فاسدي الأخلاق، وهؤلاء لا ينزجرون بالرفق واللين بدون نزاع، فإذا لم تتمثل أمامهم شدة العقوبة فإنهم لا ينزجرون أبدا) (٢).

وقال الشيخ علي أحمد الجرجاوي أحد علماء الأزهر - ما نصه: (حكمة عقاب السارق):

(إن الذين لم يفقهوا هذا الدين الحنيف الذي جاء شاملا كاملا لكل منفعة لبني الإنسان، ولم يقفوا على حقيقة العلل الشرعية التي لأجلها جعلت العقوبات متنوعة في الشدة. هؤلاء يقولون: إن عقاب السارق بهذا الشكل مضر ببني الإنسان وليس فيه مصلحة للأمة.


(١) سورة المائدة الآية ٣٨
(٢) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، تأليف عبد الرحمن الحريري - المجلد الخامس، ص ١٩١.