للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عالمنا حتى الآن. وإنه السر في نجاح عقوبة السرقة في الشريعة الإسلامية قديما. وهو السر الذي جعلها تنجح نجاحا باهرا في الحجاز في عصرنا هذا، فتحوله من بلد كله فساد واضطراب ونهب وسرقات إلى بلد كله نظام وسلام وأمن وأمان.

لقد كان الحجاز قبل أن تطبق فيه الشريعة الإسلامية أخيرا أسوأ بلاد العالم أمنا، فكان المسافر إليه أو المقيم فيه لا يأمن على نفسه وماله وعياله ساعة من ليل، بل ساعة من نهار، بالرغم مما له من قوة وما معه من عدة، وكان معظم السكان لصوصا وقطاعا للطرق، فلما طبقت الشريعة أصبح الحجاز خير بلاد العالم كله أمنا، يأمن فيه المسافر والمقيم، وتترك فيه الأموال على الطرقات دون حراسة، فلا تجد من يسرقها أو يزيلها من مكانها على الطريق حتى يأتي الشرطة فيحملونها إلى حيث يقيم صاحبها) (١).

ويقول السيد سابق في معرض كلامه عن حد السرقة وحكمة التشديد في العقوبة فيها:

(وشدد في السرقة فقضى بقطع يد السارق التي من شأنها أن تباشر السرقة، وفي ذلك حكمة بينة؛ إذ إن اليد الخائنة بمثابة عضو مريض يجب بتره ليسلم الجسم، والتضحية بالبعض من أجل الكل مما اتفقت عليه الشرائع والعقول، كما أن في قطع يد السارق عبرة لمن تحدثه نفسه بالسطو على أموال الناس، فلا يجرؤ أن يمد يده إليها، وبهذا تحفظ الأموال وتصان. يقول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (٢).

إلى أن قال: (والحكمة في تشديد العقوبة في السرقة دون غيرها من


(١) التشريع الجنائي الإسلامي، جزء (١)، ص ٦٥٢ و٦٥٣.
(٢) سورة المائدة الآية ٣٨