وإذا كان علماء القانون الجزائي يضعون النظريات المثالية التي يستدرون بها الدموع، ويستجدون بها العواطف على المجرمين، فأولى بهؤلاء أن ينظروا ولو مرة واحدة إلى الجرائم المروعة الدامية التي تحل بالآمنين المطمئنين من السكان الذين استسلموا وألقوا سلاحهم اعتمادا على الأمن والاستقرار والحماية التي توفرها أجهزة الأمن لهم من خلال التشريعات الجزائية الواقية.
وقطع يد السارق هي عقوبة من الله، فأولى بالبشر أن يتمسكوا بهذه العقوبة الرادعة الزاجرة التي ما أريد بها إلا حماية المجتمع وحماية أمنه واستقراره.
ولتكف الأعين الدامعة أسى وحزنا على المجرمين، وإذا كان المجرم يستحق نظرة رحمة وشفقة فإن البريء بدون شك هو أحوج لهذه النظرة البريئة).
ويقول ابن مودود في الاختيار ما خلاصته:
(المال محبوب إلى النفوس، تميل إليه الطباع البشرية، ومن الناس من لا يردعه عقل ولا يمنعه نقل، ولا تزجرهم الديانة، أو تردهم المروءة والأمانة. فلولا الزواجر الشرعية لبادروا إلى أخذ أموال الناس، وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى، فناسب شرع هذا الزاجر الذي هو القطع في السرقة) حسما لباب الفساد، وإصلاحا لأحوال العباد، فهذا المعتدي الذي ترك ما أباح الله تعالى له، واستحسنه الناس من المكاسب الشريفة التي تعود عليه وعلى مجتمعه بالصالح العام، فأقدم على أموال الناس بغير حق، وأفزعهم وأخافهم، يناسبه في العقوبة أن تقطع يده؛ فإن الثواب والعقاب يكونان من جنس العمل في قدر الله وفي شرعه، وهذا من العدل