للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على مال ربوي بمال ربوي آخر (قمح بشعير مثلا) فإن تعيينهما يقوم - عند الحنفية - مقام القبض ولكن الأمر يختلف عندهم بالنسبة للنقود، وذلك لأن الدراهم والدنانير لا تتعين عند الحنفية بالتعيين ولذلك كان لا بد من التقابض (١).

فإذا انتقلنا من حالة الكلام في البيع الذي يجري فيه الصرف بالمناولة (خذ وهات) إلى حالة وقوع الصرف في الذمة فإن الصورة تتضح بأن المراد من القبض هو التعيين الذي تثبت به الحقوق وليس المراد شكله بالأخذ والإعطاء فلنستمع إلى ما يرويه ابن عمر - رضي الله عنهما - بقوله: «كنت أبيع الإبل في البقيع (أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فوقع في نفسي من ذلك، فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو في بيت حفصة - أو قال حين خرج من بيت حفصة - فقلت: يا رسول الله رويدك أسألك: إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفرقا وبينكما شيء (٢)».

ومن الواضح أن هذا التصارف الجاري على ما في الذمة ليس فيه تقابض بمظهره الشكلي بأن يبرز كل طرف ما يريد مصارفته بل كان يتم على أساس أن الحق القائم بهيئة دنانير في الذمة يسدد بما يؤدى في مقابلها من دراهم بسعر اليوم.

وقد أشكلت هذه النقطة على بعض من نظر إلى أن هذا الحديث المروي عن ابن عمر معارض بحديث أبي سعيد بالنسبة لما جاء فيه «ولا تبيعوا منها غائبا بناجز (٣)» فقال ابن عبد البر موضحا ذلك الإشكال على ما جاء في تكملة المجموع. (وليس الحديثان بمتعارضين عند أكثر


(١) الكسائي مرجع سابق ج٧، ص٣١٩٠.
(٢) البيهقي، مرجع سابق، الجزء الخامس، ص٢٨٤.
(٣) صحيح البخاري البيوع (٢١٧٧)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٨٤)، سنن الترمذي البيوع (١٢٤١)، سنن النسائي البيوع (٤٥٧٠)، موطأ مالك البيوع (١٣٢٤).