وأساليبهم. يعالج الكليات، ويفرض الأحكام، ويضرب الأمثال، ويوجه المواعظ، في عموم لا تشبهه العمومات المألوفة، وخطاب فيه من التجريد ما يجعل له طابعا منقطع النظير.
وإذا أخذ كتاب تاريخ وقورن بما في القرآن من قصص تاريخي لما وجد أيضا بينهما شبه في الأسلوب ولو أنهما عالجا قصة واحدة.
ولو أخذ كذلك كتاب مواعظ وأخلاق وقورن بما في القرآن من مواعظ لما كان بينهما أيضا شبه أصلا في الأسلوب ولو اتحد الموضوع.
وهكذا لا يمكن أن يجد الباحث كلاما أو كتابا في اللغة العربية يمكن أن يتحد أو يتشابه أسلوبه وأسلوب القرآن. فهو صورة جديدة مبتكرة في البيان العربي جارية على قواعد العرب وطريقتهم في التركيب، ولكنه يختلف عنها كل الاختلاف فيما نسميه بالأسلوب، بحيث إنك لو خلطت سورة أو جملة آيات بمجموعة أخرى من كلام العربي لاستطعت أن تميزها منها بسهولة.
(أما الحديث النبوي فأسلوبه يختلف كل الاختلاف عن أسلوب القرآن ويمكن أن يشتبه أسلوبه بأساليب البلغاء ولذلك كثيرا ما توضع الأحاديث كذبا على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث لفظها ومعناها على السامع العادي ولهذا كان التحقق عن صحتها لدى رجال الحديث يكاد ينحصر في البحث عن السند).
ومن المسلم به لدى أهل البصر الأدبي أنه من المتعذر على الشخص الواحد أن يكون له أسلوبان في بيانه يختلفان اختلافا كبيرا أحدهما عن الآخر ويجري كل منهما في ذاته على نسق متشابه لا يختلف في درجة بلاغته وطريقته، ويختلف عن أسلوبه الآخر اختلافا كليا، فهذا مما لم يعهد في التاريخ الأدبي المعروف. بل إذا أراد أحد الكتاب أن يخرج عن الأسلوب الذي هو متميز فيه إلى أسلوب آخر فلا بد أن يظهر فيه التكلف، ولا يمكن أن يتقن ذلك الأسلوب الثاني، فما بالك بهذا التفاوت الكلي بين أسلوب القرآن وأسلوب الحديث؟.