للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن يتوهم من الأجانب أن القرآن هو مجموعة من تأليف النبي عليه السلام إلى جانب أحاديثه إنما منشأ وهمهم هذا عدم إمكانهم أن يتذوقوا الفارق العظيم بين الأسلوبين لكي يعرفوا إمكان وحدة المصدر فيهما أو اختلافه.

هذا الاختلاف الواسع المدى بين أسلوب القرآن وأسلوب الحديث النبوي الذي يوجب الحكم باختلاف مصدرهما يتجلى واضحا لكل ذي إدراك في الأسلوب العربي وذوق في لسان العرب من المقارنة بالأمثلة الواردة منهما في موضوع واحد.

فلو أننا أخذنا من القرآن آيات، ومن الحديث النبوي أحاديث في موضوع تلك الآيات نفسه، لرأينا بهذه المقارنة من اختلاف الأسلوبين الحاكم باختلاف المصدر ما فيه البرهان الكافي:

١ - فلنأخذ مثلا قول الحق جل وعلا في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (١)

ولننظر مقابله في المعنى نفسه قول النبي عليه الصلاة والسلام.

«لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم (٢)».

٢ - ولنأخذ مثلا في موضوع الإخاء في الدين قول الله العظيم في سورة الحجرات:

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (٣)

ولننظر مقابله في نفس المعنى قول النبي عليه السلام.

«المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه (٤)».

ومعنى (يسلمه) أن يتركه لعدوه فلا يحميه ولا يمنعه منه.

٣ - ولنأخذ أيضا قول الخالق العظيم في موضوع الإخاء الإنساني العام والتآلف والتفاضل والصلاح، لا بالعرق والنسب، ولا بالمال والنسب:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (٥)

ولننظر في المعنى نفسه أقوال النبي عليه السلام التالية.

«أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل


(١) سورة آل عمران الآية ١٠٤
(٢) مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٩٠).
(٣) سورة الحجرات الآية ١٠
(٤) صحيح البخاري المظالم والغصب (٢٤٤٢)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٨٠)، سنن الترمذي الحدود (١٤٢٦)، سنن أبو داود الأدب (٤٨٩٣)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩١).
(٥) سورة الحجرات الآية ١٣