للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما في إفريقية (تونس) فلقد أصبحت القيروان ومسجدها، مركزا علميا قصد جماعة منها أرض المشرق العربي، رغبة في طلب العلم، والتزود بالمعرفة، فحصلوا على مبتغاهم، وقفلوا راجعين إلى بلادهم، مزودين بثقافة واسعة في علم الشريعة، أمثال علي بن زياد التونسي (توفي سنة ١٨٣ هـ) صاحب الإمام مالك بن أنس، والذي يعتبر أول من أدخل الموطأ إلى المغرب، ومثل ابن أشرس والبهلول القيرواني، وعبد الله بن غانم القيرواني، من كبار أصحاب مالك، فجاءوا بعلم الحديث والفقه والعربية، ويقول العلامة ابن عاشور (١): إنه من العجب أن تقدم العلوم بإفريقية والقيروان كان من تلقاء طلبة العلم، لولعهم به، ولم يكن من همة الأمراء في شيء كما كان الأمر بالمشرق والأندلس، ولقد كانت القيروان اشتغال آهلة بأئمة العلوم، فكانت فيها العلوم الشرعية والعربية والأدبية والتاريخية والطب ولا يعرف لأهل القيروان اشتغال بعلوم الفلسفة، وكانت بقية العلوم الرياضية ضعيفة في القيروان، وأشهر عناوينهم كانت بعلوم الشريعة، ناهيكم بالإمام سحنون سنة ١٩١ هـ وما قام به من أعمال، وما نشر من علم وما صحح من أوضاع، فلقد عرض عليه محمد بن الأغلب خطة القضاء وحلف عليه إلا قبل، فاشترط أن يبدأ بأهل بيت الأمير ابن الأغلب وقرابته وأعوانه قائلا: فإن قبلهم ظلامات للناس، وأموالا منذ زمن طويل، إذ لم يجترئ عليهم من كان قبلي فقال له: نعم، لا تبدأ إلا بهم وأجر الحق على مفرق رأسي، والإمام سحنون اهتم الاهتمام الزائد بإصلاح مناهج التعليم،


(١) من " أليس الصبح بقريب " ص ٦٧.