وفي البصرة والكوفة من أرض العراق، كان مسجداهما عامرين بالدروس لغاية القرن الرابع الهجري، فكثرت الحلقات الدراسية، وبرز العلماء الأعلام في مختلف الفنون، ويعد أبو الأسود الدؤلي أول من اشتغل بعلم النحو في عهد الأمويين، كما كان أول من وضع أساس مدرسة البصرة، التي تعتبر أقدم من مدرسة الكوفة، ومن أشهر علماء البصرة وأدبائها أبو عمرو بن العلاء، الذي اشتغل بالتفسير، والخليل بن أحمد، واضع علم العروض، وصاحب كتاب العين، الذي يعد أول معجم وضع في اللغة العربية، وعمرو بن بحر الجاحظ وغيرهم كثير، كما يعد علي بن حمزة الكسائي والفراء وغيرهما من أشهر علماء الكوفة.
ولقد درست بالبصرة كثير من العلوم بما فيها علم الفلسفة، وتعتبر المركز الأساسي، الذي اتخذته جماعة إخوان الصفا لنشاطها، ولم نتكلم عن بغداد ونشاطها العلمي العديم المثال، واشتغال علمائها بترجمة العلوم الأجنبية إلى العربية، واعتنائهم بالعلوم الدينية واللغوية، ويكفي أن نذكر من جملة أمثال محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ، وكتاب القراءات وتنزيل القرآن، وأبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن حماد المتوفى سنة ٢٨٢ هـ وعلي بن محمد بن حبيب البصري المعروف بالماوردي المتوفى سنة ٤٥٠ هـ صاحب التآليف المشهورة، وعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة ٢٩٠ هـ وأبا بكر عبد الله بن داود الأزدي من أكابر حفاظ الحديث والذي تقلد رئاسة الحنابلة، وكذلك الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني، والسرافي وغيرهم كثير، ويجب أن أشير هنا إلى أن العلوم التي كانت تدرس إذ ذاك وخصوصا بالأندلس، كانت متنوعة فكانت فيها علوم العربية، وعلوم الفلسفة، والرياضيات، والطب، والفلك، والعلوم الطبيعية، وعلم الجراحة، زيادة على العلوم الشرعية والأدبية واللغوية.
وهكذا ندرك ما أسداه المسجد في مختلف أنحاء العالم الإسلامي للثقافة والحضارة والتوجيه والتكوين من معروف، وهكذا ندرك لماذا كان المسلمون لا يحلون بأية ناحية من النواحي، ولا بقطر من الأقطار، إلا ويبادرون بتأسيس المساجد، فلقد ذكر المقريزي: أن سيدنا عمر بن الخطاب لما افتتح البلدان كتب إلى أبي موسى الأشعري وهو على البصرة يأمره أن يتخذ مسجدا للجماعة، ويتخذ للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضموا على مسجد الجماعة، وكتب إلى سعد ابن أبي وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك، وكتب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك أيضا، فكان الناس متمسكين بأمر عمر وعهده، وكانت صلاة الجماعة تؤدى في المسجد الجامع يقول (شارل سينوبوس) في كتاب تاريخ الحضارة، عن علماء الإسلام: لقد جروا على أصول إسقاء الأرضين بفتح الترع، فحفروا الآبار، وجازوا بالمال الكثير من عثروا على ينابيع جديدة، ورفعوا المصطلحات لتوزيع المياه بين الجيران، ونقلوا إلى أسبانيا أسلوب النواعير، التي ترفع المياه والسواقي التي توزعها، ثم يقول: ومن الأقوال الحكيمة التي قالها المؤرخون عن المسلمين: إنهم