للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يهتمون عند فتح البلاد بشيئين في وقت واحد هما:

تنظيم الحقل وبناء المسجد.

وأداء الصلاة جماعة بالمساجد، والمظهر الذي يعطيه تنظيم الصفوف والمساواة التي يحققها بين مختلف طبقات المسلمين، فليس في المسجد مكان خاص للوزير، وآخر للعامل أو الخادم، وإنما الجميع سواء أمام الكبير المتعالي، هذا المظهر من المساواة الذي يقضي على جميع الفوارق وقف أمامه كثير من الأجانب والمستشرقين مشدوهين، فهذا الفيلسوف الفرنسي (رينان) يقول: إنني لم أدخل مسجدا من مساجد المسلمين، من غير أن أهتز خاشعا، وأن أشعر بشيء من الحسرة على أنني لست مسلما. ويقول السير توماس أرنولد عن الصلاة في المسجد: هذا الفرض المنظم من عبادة الله هو من أعظم الأمارات المميزة للمسلمين عن غيرهم في حياتهم الدينية، فكثيرا ما لاحظ السائحون وغيرهم في بلاد الشرق ما لكيفية أدائه من التأثير على النفوس، ثم قال: ولننتقل من صلاة الفرد إلى صلاة الجماعة فنقول: إنه لا يتأتى لأحد أن يكون قد رأى مرة في حياته ما يقرب من خمسة عشر ألف مصل، في وسط المسجد الجامع بمدينة (دلهي) بالهند، يوم الجمعة الأخيرة من شهر الصيام، (رمضان) وكلهم مستغرقون في صلاتهم وقد بدت عليهم أكبر شعائر التعظيم والخشية في كل حركة من حركاتهم، نقول: إنه لا يتأتى لأحد ويكون قد رأى ذلك المشهد، إلا ويبلغ تأثره به أعماق قلبه، وإلا يلحظ ببصره القوة التي تمتاز بها هذه الطريقة من العبادة عن غيرها (١).

لقد لعب المسجد في الإسلام، دورا خطيرا في التوجيه، والدعوة وإصلاح العباد، وتربيتهم، وتقوية الشعور الديني، وتدريب المصلين من المؤمنين على الأعمال الجماعية، التي يدعو إليها الإسلام، والحفاظ على الوحدة الإسلامية حقيقة ومظهرا، ويكفي أن أشير إلى صلاة الجماعة وما ترمي إليه من أهداف بعيدة المدى، وأؤكد أن الإسلام لم يفرض الجماعة وخصوصا في الجمعة والأعياد إلا ليشعر المسلم أنه واحد من كل، وعضو في جماعة، يجب أن يهتم بشئونها ويرعاها، فالإسلام يطلب من المسلم أن لا يعيش لنفسه فقط، متعبدا منعزلا، وإنما يطلب منه حتى في صلاته أن يعيش بجانب إخوانه يستمد منهم ويستمدون منه، والرسول -عليه السلام- هم أن يحرق على قوم بيوتهم، لأنهم يتخلفون عن الجماعة، هذه الجماعة التي تتحقق على عدة مستويات، فتكون كل يوم في المسجد القريب، من مسكن المسلم، وتفرض في المسجد الجامع بمناسبة صلاة الجمعة التي لا يسوغ لمسلم أن يتخلف عنها إلا إذا كان عذره قاهرا، حيث إن الرسول -عليه السلام- يقول: «من ترك ثلاث جمع تهاونا بها، طبع الله على قلبه (٢)»، ويقول: «لينتهين قوم عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين (٣)».


(١) العبادة في الإسلام.
(٢) سنن الترمذي الجمعة (٥٠٠)، سنن النسائي الجمعة (١٣٦٩)، سنن أبو داود الصلاة (١٠٥٢)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١١٢٥)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٤٢٥)، سنن الدارمي الصلاة (١٥٧١).
(٣) صحيح مسلم الجمعة (٨٦٥)، سنن النسائي الجمعة (١٣٧٠)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٣٩)، سنن الدارمي الصلاة (١٥٧٠).