للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويتضاعف تجمع المسلمين بمناسبة العيدين حتى يسع المصلى جميع سكان البلد، بما فيهم العواتق، والحيض، وذوات الخدور، فعن أم عطية قالت: «أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق، والحيض، وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين (١)» إلى آخر الحديث.

وبعد: فما هي رسالة المسجد بعد كل ما ذكرت؟ أستطيع أن ألخص فأقول: بأن رسالة المسجد تستمد جوهرها من رسالة سيد الأنام -عليه السلام-، ورسالة الرسول العظيم كانت رسالة عامة شاملة تهدف إلى إصلاح العبد فيما بينه وبين ربه، وإصلاحه فيما بينه وبين نفسه، كما تهدف إلى إصلاح كل طبقات المجتمع، والرفع من شأنها، والدفع بها في ميدان العمل الصالح، ليصبح المجتمع الإسلامي مجتمعا مثاليا، حتى يتحقق فيه، وينطبق عليه، ما أراده الله لهذه الأمة من أن تكون خير أمة أخرجت للناس {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (٢)

فداخل المسجد يتربى المسلم على تطهير نفسه، وتصحيح عقيدته، والقرب من ربه، ومراقبته في سره وعلانيته، وفي داخل المسجد وبين صفوفه، يتربى المؤمن على الاتصال بإخوانه المؤمنين، وتقوية صفوفهم، والشعور بآلامهم، والاهتمام بجميع شئونهم، وفي داخل المسجد يشعر المؤمن بقوته جانب إخوانه، ويحس بالرسالة التي طوق بأدائها، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله بالحسنى والحكمة.

وداخل المسجد تتربى روح الأخوة والألفة والمحبة بين المؤمنين، فيعيشون عالمهم المثالي الخالي من التنافسات، والتطاحنات، وحروب الطبقات.

وفي المسجد يشعر المؤمن بكرامته التي كرمه الله بها، وأنه متساو في الحقوق والواجبات، مع جميع الذين يجلسون بجانبه، سواء كانوا حكاما أو محكومين، أغنياء أو فقراء، جهالا أو علماء، فهو واحد من كل، ولا ميزة لأي واحد إلا بالتقوى.

وفي المسجد يجتمع المسلمون للتداول في شئونهم، والنهوض بحياتهم والاستماع إلى التوجيهات والتخطيطات التي يخططونها، للذود عن حوضهم، وصيانة عقيدتهم، والحفاظ على مقدساتهم.

ومن المسجد تنطلق الدعوة إلى الله صارخة هادفة موضحة مبينة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (٣) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٤) {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} (٥) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (٦) {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٧)

وفقنا الله للعمل الصالح وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، آمين.


(١) صحيح البخاري الحج (١٦٥٢)، صحيح مسلم صلاة العيدين (٨٩٠)، سنن الترمذي الجمعة (٥٣٩)، سنن النسائي صلاة العيدين (١٥٥٨)، سنن أبو داود الصلاة (١١٣٩)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٣٠٧)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٨٤)، سنن الدارمي الصلاة (١٦٠٩).
(٢) سورة آل عمران الآية ١١٠
(٣) سورة الأنفال الآية ٢٤
(٤) سورة الحج الآية ٧٧
(٥) سورة الحج الآية ٧٨
(٦) سورة الجمعة الآية ٩
(٧) سورة الجمعة الآية ١٠