للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

-صلوات الله عليه- وهو في طريقه إلى المدينة مهاجرا أقام بقباء بضعة أيام أسس فيها مسجد قباء، وهو أول مسجد بني في الإسلام ويقال إن فيه نزلت الآية الكريمة {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} (١).

ويروي البلاذري (٢) أن هذا المسجد أسسه الذين هاجروا إلى المدينة قبل رسول الله، ثم إن الرسول لما دخل المدينة بنى مسجده بالمربد، وعمل فيه بنفسه ليشجع المهاجرين والأنصار على النشاط في العمل (٣)، ويروي البلاذري وابن هشام روايات أخرى تفيد أن الآية السابقة نزلت في هذا المسجد لا في مسجد قباء، وكانت تعقد حلقات العلم في مسجد قباء (٤) كما كان من عادة الرسول أن يجلس في مسجده بالمدينة ليعلم أصحابه دينهم (٥).

وكثرت بعد ذلك المساجد وزاد انتشارها بتوسع الإسلام، وأصبح من المتبع أن يبنى مسجد أو أكثر في كل مكان فتحه المسلمون أو في كل قرية أو مدينة أسسوها، فلقد روي أن عمر لما فتح البلدان كتب إلى أبي موسى وهو على البصرة يأمره أن يتخذ مسجدا للجماعة، ويتخذ للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة. وكتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك، وكتب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك (٦) وأسوة برسول الله -صلوات الله عليه- الذي كان يجلس بالمسجد معلما ارتبط تاريخ التربية الإسلامية بالمسجد ارتباطا وثيقا، وجلس بالمساجد خير العلماء يقدمون الفكر الإسلامي للمريدين ولطلاب المعرفة، ومما يدلنا على أن التدريس بالمسجد كان يحتل مكانة سامية في نفوس العلماء أن الخطيب البغدادي لما حج شرب من ماء زمزم وسأل الله أن يحقق له ثلاث حاجات، كان من بينها أن يتاح له أن يملي الحديث بجامع المنصور (٧).

وفي مسجد المنصور أيضا أملى أبو عمر الزاهد كتابه الياقوت وقد بدأ يحاضر في موضوع ذلك الكتاب في شهر المحرم سنة ٣٢٦ هـ. ولما أتمه استعاد قراءته فهذبه وزاد عليه (٨).

وكان للخطيب البغدادي في جامع دمشق حلقة كبيرة وكان الناس يجتمعون إليه في بكرة كل يوم فيقرأ لهم وكان إذا قرأ الحديث في جامع دمشق سمع صوته في آخر الجامع.


(١) سورة التوبة الآية ١٠٨
(٢) فتوح البلدان: ١٧.
(٣) ابن هشام ٢: ١٢. الطبري ١: ٣: ٢٥٩. البلاذري وفتوح البلدان: ص ١٧١.
(٤) الإحياء ١: ٥٢.
(٥) البخاري: باب الصلاة.
(٦) الخطاط ٢: ٢٤٦ وحسن المحاضرة ٢: ١٤٩.
(٧) ياقوت: معجم الأدباء ١: ٢٤٦.
(٨) الفهرست ص ١١٣.