للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما وفد محمد بن جرير الطبري على مصر بان فضله في القرآن والفقه والحديث واللغة والنحو والشعر، فلقيه أبو الحسن بن سراج فوجده فاضلا في كل ما يذاكره به من العلم ويجيب في كل ما يسأل عنه، حتى سأله عن الشعر فرآه فاضلا بارعا فيه فسأله عن شعر الطرماح فإذا به يحفظه، فسئل أن يمليه فاستجاب وجلس بجامع عمرو لإملائه (١).

ودرس في المساجد الطب والميقات، يروي السيوطي (٢) أن دروسا مختلفة رتبت في الجامع الطولوني وقد شملت التفسير والحديث والفقه على المذاهب الأربعة والقراءات والطب والميقات، ويقول عبد اللطيف البغدادي إن درسا في الطب كان يلقى في الأزهر في منتصف النهار من كل يوم (٣).

ولم تكن المساجد مكانا للعبادة والعلم فحسب بل كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستقبل فيها السفراء، وكانت أمكنة تعقد فيها مجالس القضاء، وساحات تجتمع فيها الجيوش قبل أن تندفع نحو هدفها، وفي غزوة الأحزاب كان مسجد المدينة مستشفى يعالج فيه الجرحى والمصابون في المعارك فقد أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن تقام بالمسجد خيمة تخصص لجرحى المعركة، وعين لعلاج الجرحى من لهم خبرة بالطب، ويقول ابن حجر: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك ليكون من السهل عليه أن يعود الجرحى من حين إلى آخر، وهو يدير المعركة (٤).

من أجل هذا نريد أن نهتدي بمسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونحن نفكر في مساجد العصر الحاضر نريد أن يكون مسجد اليوم " مجمعا " به مكان للعبادة، وبه مكتبة إسلامية وثقافية، وبه قاعة للمحاضرات والاجتماعات، وبه استعداد للإسعافات الصحية السريعة، وحوله مكان للشبان يمارسون به أحيانا بعض الرياضات المباحة حتى إذا أذن المؤذن للصلاة هرعوا إليها، ونريد أن يكون بكل مسجد مكان مخصص للنساء يصلين به ويتدارسن فيه شئونهن، ونحن بهذا نخلق مركزا دينيا سيكون واسع الأثر في خدمة الإسلام والمسلمين كما كان مسجد الصدر الأول للإسلام.

ونريد كذلك أن نهتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبجماعات الصدر الإسلامي الأول فنجعل بناء


(١) ياقوت: معجم الأدباء ٦: ٤٣٢.
(٢) الأصفهاني: محاضرات الأدباء ١: ٢٠.
(٣) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء ٢: ٢٠٧.
(٤) الإصابة: ترجمة سعد بن معاذ.