والدعوة الإلهية، وهي بيت الله تعالى الذي تنفرد العبادة إليه ونبتهل إلى ذاته العلية، ونعرف أيضا أن المساجد لعبت دور بيوت التعليم والتدريس، وأن جميع مراحل التعليم كانت تجري بين جدران المساجد، ومدة قرون أدت المساجد رسالتها في حقل نشر نور العلم والمعرفة وتركت آثارا عميقة في الثقافة الإسلامية. وإن العلماء الفطاحل والمحدثين العظام من أمثال أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأحمد بن شعيب النسائي صاحب السنن، والإمام أبي بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي الفقيه، وأبي عيسى الترمذي صاحب الجامع الصحيح، وأبي عبد الرحمن الدارمي السمرقندي صاحب المسند، وأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، والعالم الموسوعي أبو الريحان البيروني الخوارزمي، وكثيرين غيرهم قد تلقوا دروسهم الأولية في المساجد وتخرجت من المساجد أجيال كثيرة من العلماء في العلوم الإسلامية الذين يعتز بأسمائهم الكريمة العالم الإسلامي وتنير آثارهم العلمية الطريق أمام المسلمين في كل بقعة من الأرض.
إن التاريخ حافل بالأحداث حيث كانت مساجد ما وراء النهر بمثابة مدارس للعلماء العظام، وإن الإمام البخاري بعد عودته إلى مسقط رأسه بخارى ألقى دروسه في الحديث في الجامع الذي بناه بمال الإسلام، وكانت المساجد بسمرقند مثل: طلا كاري، المدرسة الرئيسية في تعليم القرآن الكريم. وأما المسجد الجامع في طشقند الذي بناه عبيد الله خواجه أمراء خليفة بهاء الدين نقشبندي كان المركز الرئيسي في تدريس علوم الحديث، على صاحبه أفضل الصلوات والتسليم.
وأما الآن في ظروف بلاد الاتحاد السوفييتي حيث ألقيت الأمور الدينية كلية على كاهل العلماء أنفسهم والدين انفصل عن الحكومة زادت مهمات المساجد وعظمت رسالتها واشتدت المسئولية على أهلها، وصارت المساجد ليست معابد فحسب، بل أصبحت مراكز دينية ثقافية حيث ينهل المسلم الغذاء الروحي من مناهلها ويتلقى الشبان التهذيب الديني ويجدون جوابات مقنعة على أسئلتهم الدينية اليومية في المساجد ما عدا معهدي بخارى وطشقند.
أيها العلماء الكرام:
قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}(١) وقال الرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان» نعم في الحقيقة أن المسلمين في بلاد الاتحاد السوفييتي، يعظمون المساجد في نفوسهم أيما تعظيم، وأن كل فرد