للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من المؤمنين يجتهد بكل جهده لكي يعمر المساجد ويهتم في نظافتها وطهارتها.

والمسلمون في ما وراء النهر لا يزالون يتبعون تقاليد طيبة في هذا الباب، وهم يقدمون كل ما لديهم من البر والإحسان، حتى الزكاة وصدقة الفطر إلى مساجدهم، ومهتمون في اختيار العلماء الصالحين والأتقياء لوظائف الإمامة، ففي معظم الحالات يعينون لوظائف الإمامة والخطابة العلماء الشبان الذين يزدادون في المساجد خبرة وحنكة ويعدون أنفسهم للوظائف الدينية الرفيعة، وإن كثيرين من موظفي الإدارات الدينية بعد تخرجهم من المعهد والمدرسة كانوا قد عينوا أئمة في المساجد، واجتازوا فيها فترة التمرين ومزاولة الأعمال الدينية، هكذا صارت المساجد كما كانت مدارس لإعداد جيل جديد من العلماء والفقهاء.

وقال الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (١) (٧ - ٣١) وإني أعتقد أن علينا أن نفهم معنى هذه الآية الكريمة، ليس معناها الواضح فحسب وبل معناها الخفي أيضا. فاتخاذ الزينة عند كل مسجد فحواه أن يكون الإنسان جميلا بقلبه وخالصا في نيته ومخلصا في عقيدته للإسلام، والمودة والأخوة بين المسلمين. ففي ذلك تتجلى بكل وضوح الحكمة الإلهية النيرة التي ظهرت في الآية الأخرى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (٢) (٧ - ٢٩).

أيها الإخوة الكرام: يسرني أن أبشركم أن في كل جمعة وكل صلوات العيدين في بلادنا مرشدين من الإدارة: يرشدون الناس بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلى مكارم الأخلاق وسبل التقوى، ويوجهونهم إلى طاعة الله تعالى، والمودة والإخاء مع الناس والعمل الجاد المثمر لخير الأمة الإسلامية والإنسانية. وإن الآلاف المؤلفة من المسلمين في الأيام المباركة في رمضان الشريف يتلهفون إلى سماع كلمة العلماء الدينية، والمعرفة التي يحصلون عليها في المساجد ينقلونها إلى بيوتهم وإلى قلوب الجيل الصاعد بكل عزم وصدق.

ومن المؤكد أن المسلم يهمه في هذا العصر أمور كثيرة: ومن بينها: الأمور التي لا تتعلق به ومسلمي بلادنا فقط، فإنه ترقى في سلم العلوم وتثقف ثقافة ملحوظة ويعيش في رفاهية ولديه الإمكانيات الواسعة لمطالعة الكتب والجرائد والمجلات بلغته الأم، وهو مطلع على الأحداث الجارية في البلد وفي العالم، ويهمه كذلك مشاكل التطور الاجتماعي والعلمي والتكنيكي في العالم ومعضلات الحفاظ على السلام وأمن الشعوب، وهو يهتم في أمر ازدهار شعوب البلاد النامية لكي يضمن لها إمكانيات التطور الذاتي، ويقلق باله ويثير غضبه الأعمال الإجرامية التي تتبعها الصهاينة والإمبريالية تجاه إخوته العرب، والشعوب الأخرى المتحررة. وهذه الأمور كلها تلقي المسئولية على المساجد وعلى الدعاة المسلمين والوعاظ.


(١) سورة الأعراف الآية ٣١
(٢) سورة الأعراف الآية ٢٩