للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان المسجد أيام السلف الصالح، مكان النشاط الديني والفكري، كانت تعقد فيه حلقات الدروس، وكان العلماء يلتقون فيه بطلابهم، وبالجمهور؛ ليعطوا كلا منهم ما هو بحاجة إليه.

وكان العلماء يفعلون ذلك في الغالب، حسبة لوجه الله، فكان عملهم خالصا لوجهه، وكان الناس يمنحونهم ثقتهم التامة، فيأخذون عنهم ما يقولون، ويقتدون بهم فيما يفعلون، لذلك تبوأ المسلمون في هذا العهد مكانتهم اللائقة بهم كمسلمين عرفوا الطريق الصحيح إلى الله، فسلكوه فرضي الله عنهم وأيدهم بنصر من عنده.

لكنا إذا نظرنا إلى المسجد الآن وجدنا به إماما ومأمومين، ولم نجد حلقات الدروس التي ما كانت تتوقف في وقت من ليل أو نهار. ومعنى ذلك أن المسجد لم يعد يصنع الإمام، بل تصنعه له الجامعة التي أريد لها أن تقوم بدور المسجد في التدريس والبحث والتأليف.

ولكن الجامعة التي خلفت المسجد لم تلبث أن وجدت نفسها محاطة بجامعات أخرى، أوجدتها الرغبة في التعرف على أسرار الكون ونظامه.

ولا شك أنه لا تعارض بين هذه الجامعات التي تقوم بدور التعمق في فهم أسرار الكون ونظامه للانتفاع بخيراته وتوقي أخطاره، وبين الجامعات الدينية التي تتعرف على خالق الكون وواضع نظامه، من خلال رسالاته إلى رسله وأنبيائه، التي تعلم في هذا المجال ما لا يستطيع العقل البشري أن يستقل بإدراكه بانفراده.

نعم. . . لا تعارض بين هذه الجامعات وتلك، فلكل مهمتها، والمهمتان متآخيتان متعاونتان، ما دامت الوسائل سليمة والمقاصد مستقيمة.

لكن هذا ليس يعني أن نخلط بينهما، أو في تعبير أدق، ذلك ليس يعني أن تطمع الجامعة الدينية أن تدخل في نطاق نشاطها موضوعات مما هو من اختصاص الجامعات الدنيوية، لا تقوى على الاضطلاع بها مع علوم الدين طاقة أبنائها. فإن نتيجة ذلك أن لا يحسن الطلاب العلم بهذا ولا العلم بذلك، كما هو الحال الآن.

وفي مثل هذه الظروف القلقة غير المستقرة التي تعيشها الجامعات الدينية الآن، يتخرج الإمام، وكما فقدت الجامعات الدينية كثيرا من خصائص المسجد، فقد الإمام كثيرا من خصائص من كان يتخرج من المسجد. وكان من نتيجة ذلك أننا وجدنا أنفسنا بخصوص المسجد والإمام أمام مشكلة تتطلب الحل.

وإذا قصرنا أنفسنا على النظر في المسجد والإمام، لم نجد الحل السريع ولا الحل الصحيح، لأن نظرتنا يجب أن تتسع فتشمل الجامعة التي فيها يتخرج الإمام.