للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أ. رسالة المسجد في عصور ازدهارها

ب. أوضاع المساجد في العالم في العصر الحاضر

المسجد هو نسبة إسلامية لمكان العبادة، وقد لوحظ في هذه التسمية معنى الأصل الذي اشتقت منه الكلمة، وهو السجود الذي يعني الخضوع الكامل لله سبحانه! ذلك الخضوع الذي يأخذ أسمى صورة في الصلاة، وفي ذلك الركن الخاص منها الذي نقل إليه لفظ " السجود " فكأن الصلاة أخص ما بني له المسجد!

ولليهود والنصارى تسميات لأماكن عبادتهم ذكر منها القرآن الكريم " الصوامع " و " البيع " " والصلوات " وسلكها مع المساجد في سلك واحد {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (١) وقد عمم القرآن استخدام لفظ " المسجد " فأطلقه على أماكن العبادة لدى اليهود والنصارى {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} (٢) فأطلق لفظ مسجد على ما أقام أولو الأمر والذين عاصروا معجزة أهل الكهف من بناء، وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن اليهود والنصارى وتحذيرا من صنيعهم «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (٣)».

في عرف القرآن يسوغ إطلاق لفظ " مسجد " على كل مكان اتخذ لعبادة الله وذكره

ولا تكاد توجد جماعة إنسانية ضربت بهم في الحضارة إلا وفي نسيج حضارتها ما يقابل " المسجد " عند المسلمين، أو البيعة عند النصارى، أو الصلوة عند اليهود، كما هو الحال عند قدماء المصريين والهنود والفرس والإغريق. . . ويطلق عادة على هذه الأماكن لفظ " معبد " أو ما يشبهه!

وبغض النظر عن صحة العقيدة أو فسادها لدى هذه الجماعة أو تلك، فهذه المعابد تحتل مكانا له دلالته في سجل الحضارة الإنسانية وتاريخها الطويل، وهي تعبر في قوة وعمق عن تجربة مستمرة ومحاولة متصلة دائبة، لم تنقطع من جانب الإنسان بهدف التعرف والاتصال بتلك القوة التي أحسها رغم خفائها - تغمر عقله ووجدانه وهو مبعثر في الطرق قبل أن تأخذ هداية السماء بيده وتهديه إلى خالقه.

إن اللحظة التي بنى فيها الإنسان لنفسه مسكنا يأوي إليه، يبني فيها كذلك لإلهه أو آلهته " معبدا " يفزع


(١) سورة الحج الآية ٤٠
(٢) سورة الكهف الآية ٢١
(٣) صحيح البخاري الصلاة (٤٣٦)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (٥٣١)، سنن النسائي المساجد (٧٠٣)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٤٦)، سنن الدارمي الصلاة (١٤٠٣).