للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه، مدفوعا بإحساس غامر بالحاجة إلى الاتصال به أو بها، وإلى التعبير عن شعوره تجاهه أو تجاهها، وقد وجه الإنسان القديم من طاقاته وإمكاناته المادية وإبداعه الفني لهذه " المعابد " ما لم يوجه بعضه إلى مسكنه الذي يعيش فيه.

" المعبد " إذن عنصر أصيل في حضارة الإنسان عبر التاريخ!

وقد حدثنا القرآن عن البيت العتيق وأخبرنا أنه أول بيت وضع للناس: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (١) وحين حدثنا عن هذا البيت جعله مرة " البيت " معرفا بلام التعريف {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (٢) ومرة بالإضافة إليه سبحانه {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (٣) ويصف ما قام به إبراهيم وإسماعيل فيقول: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} (٤) يرفع القواعد وكأنما كانت موجودة من قبل، أرشد الله إبراهيم -عليه السلام- إلى مكانها، كما يشير إلى ذلك قول الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} (٥)

توحي إلينا الآيات الكريمة إيحاء خفيا أن هذا البيت قديم موغل في القدم وإن لم تسعفنا مصادر التاريخ المسجل بأوليته الأولى، وهذا هو المتسق مع قوله تعالى:

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُون} (٦)

وإذا كان التدين - في صورة ما - ظاهرة عامة لازمت الإنسان في كل فترات تاريخه فقد قوي هذا الفهم وتأكد!

مهما يكن من أمر فإن للمسجد في الإسلام وفي حضارته مكانا ساميا ومنزلة جد خطيرة

حدد القرآن أمام المسلمين الغاية من خلق الإنسان بقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (٧) وعلمهم أن يكون هذا أساس حضارتهم {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (٨)

ونبههم إلى انحرافات الحضارات التي قامت من قبل {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} (٩)

كان هذا توجيه القرآن للمسلمين وقد وعوه جيدا وطبقوه!


(١) سورة آل عمران الآية ٩٦
(٢) سورة البقرة الآية ١٢٥
(٣) سورة البقرة الآية ١٢٥
(٤) سورة البقرة الآية ١٢٧
(٥) سورة الحج الآية ٢٦
(٦) سورة الذاريات الآية ٥٦
(٧) سورة الذاريات الآية ٥٦
(٨) سورة الحج الآية ٤١
(٩) سورة القصص الآية ٨٣