للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحشا وأكثرها إذا ما يجتدى ... فضلا وأنداها يدا وأبلها (١)

بالعرف غير محمد لا مثله ... حي من أحياء البرية كلها

والشعر في رثائه كثير، اكتفينا بجزء منه

لقد كانت لجعفر مواقف مشهورة، ومقامات محمودة، وأجوبة سديدة، وأحوال رشيدة، وقال فيه أبو هريرة: "ما احتذى النعال ولا انتعل، ولا ركب المطايا، ولا لبس الثياب من رجل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل من جعفر بن أبي طالب " وكأنه إنما يفضله في الكرم، فأما في الفضيلة الدينية، فمعلوم أن الصديق والفاروق بل وعثمان بن عفان أفضل منه. وأما أخوه علي بن أبي طالب فالظاهر أنهما متكافئان أو علي أفضل منه، وإنما أراد أبو هريرة تفضيله بالكرم، بدليل ما رواه البخاري عن أبي هريرة: كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة (٢) التي ليس فيها شيء فنشقها، فنعلق ما فيها" تفرد به البخاري (٣)، فهو الجواد أبو الجواد (٤) بحق، وكان أبو هريرة كما روى البغوي يقول: "كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويخدمهم ويخدمونه (يحدثهم ويحدثونه)، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكنيه: أبا المساكين" (٥).

ولما عاد جعفر من أرض الحبشة مهاجرا إلى المدينة، وقدم مع المسلمين في السفينتين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خيبر، أسهم لهم من


(١) يجتدى: تطلب جدواه، والجدوى بفتح الجيم: المنحة والعطية.
(٢) العكة: زق صغير للسمن، جمعها: عكك، وعكاك.
(٣) البداية والنهاية (٤/ ٢٥٦ - ٢٥٧).
(٤) تهذيب الأسماء واللغات (١/ ١٤٨) وتهذيب التهذيب (٢/ ٩١).
(٥) الإصابة (١/ ٢٤٨).