للنهوض بواجب الدعوة إلى الله في أرض الحبشة، فآمن على يديه النجاشي وكثير من بني قومه، وأهلته للدفاع عن المسلمين المهاجرين إلى أرض الحبشة تجاه مكايد سفيري مشركي قريش الذين كانا أثيرين لدى النجاشي ولدى المقربين إليه من رجال الدين والسلطة، ولديهما الهدايا والمال الذي يغرون به النجاشي ورجاله المقربين، بينما لم يكن لدى جعفر ما يتقرب به من الهدايا والمال للنجاشي وغيره من أصحاب السلطان، وكان يعاني الفقر والعوز والحرمان.
كما أهلته تلك المزايا لقيادة المسلمين المهاجرين الذين قدموا معه أرض الحبشة من مكة، وقيادة المسلمين الجدد من الأحباش الذين اعتنقوا الإسلام على يديه وعلى أيدي إخوانه المهاجرين الآخرين، فقد كان جعفر أمير المؤمنين على المسلمين المهاجرين إلى الحبشة وعلى المسلمين في أرض الحبشة كافة، ما دام مهاجرا في أرض الحبشة حتى التحق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة المنورة، فكان جعفر نعم السفير القوي الأمين، ونعم الداعية الحصيف الحكيم، ونعم المدافع الجريء البليغ، ونعم القائد الحازم المقتدر.
أول هذه المزايا الانتماء والإيمان، فقد كان انتماؤه للإسلام حاسما جازما، وكان من الذين سارعوا إلى اعتناق هذا الدين، فكان من السابقين الأولين، ولعل الدليل القاطع على إيمانه العميق هجرته إلى أرض الحبشة، مخلفا أهله وماله وبلده من أجل عقيدته، وصبره الجميل على الغربة سنين طويلة في ظروف معاشية قاسية أو غير مريحة على أقل تقدير، وانتماؤه وإيمانه، هو الذي حفزه لرعاية إخوانه في الدين، فكانت رعايته لهم لا تقل في حال من الأحوال عن رعاية أهله وزوجه وبنيه، وأدى إلى الانسجام معهم في حياتهم الجديدة انسجاما خفف عليهم معضلات الغربة في ديار الغربة، ذلك لأن الثقة الكاملة كانت متبادلة بين جعفر والمسلمين