ولا شيء كالخلق الكريم يؤدي إلى نجاح السفير في سفارته، لأنه يستقطب القلوب حوله، ويشد الناس إليه، ويجعله موضع ثقتهم، فيحقق ما يصبو إليه من أهداف دون عناء.
لقد كان جعفر ومن معه من المسلمين المهاجرين إلى أرض الحبشة لاجئين، فلما تأكد النجاشي أنهم على حق، وأنهم أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، بسط حمايته عليهم ومنعهم من أعدائهم مشركي قريش، وبالتدريج تطور حال جعفر من حال إلى حال، حتى أصبح النجاشي رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، وانتهى الأمر بالمسلمين المهاجرين أن عادوا إلى وطنهم مكرمين معززين برعاية النجاشي الكاملة وحمايته، ولم يكن هذا التطور من حسن إلى أحسن إلا ثمرة من ثمرات الخلق الكريم لجعفر خاصة وللمسلمين المهاجرين عامة.
وكان جعفر يتميز بالصبر والحكمة، وقد برز صبره الجميل في تحمل أخطار الهجرة من مكة إلى أرض الحبشة، والتسلل من مجتمع مشركي قريش الذين كانوا يناصبون أشد العداء للإسلام والمسلمين، ويحرصون على بقاء المسلمين في مكة، ليتصرف كل مشرك بما يشاء حين يشاء في إلحاق الأذى بالمسلمين القادرين على إلحاق الأذى بهم والذين لا يقدرون على الدفاع عن أنفسهم، وحتى لا ينجوا المسلمون من أذى مشركي قريش ورقابتهم. وكان مشركوا قريش يطاردون المسلمين المهاجرين، ويمنعونهم بشتى الوسائل من الهجرة، والذين يلقون القبض عليهم من المسلمين المهاجرين، لا يفلتون من العقاب الصارم.
وبرز صبره الجميل في غربته الطويلة التي امتدت أكثر من أربع عشرة سنة، بعيدا عن أهله وقومه ووطنه.
كما برز صبره الجميل في مصاولة سفيري المشركين من قريش: عمرو