وقد انعكست الاستجابة لهذه الأوضاع المتغيرة في تطوير استخدام بعض اللغات الحديثة لتكون وسائل عامة للتفاهم، كما ذكرنا. وفي ازدياد انتشار بعض اللغات القديمة وكذلك في الاضمحلال التدريجي لبعض اللغات التي تتكلمها جاليات صغيرة.
وإن الصراع الآن على أشده بين اللغات الإفريقية الأصلية وعلى رأسها السواحلية والهوسا واللغة العربية، وبين اللغتين الأوروبيتين الإنجليزية والفرنسية.
ومهما يكن الأمر فإن إفريقية تعتبر من الناحية اللغوية من أشد المناطق صعوبة وتعقيدا في العالم. ويقدر عدد اللغات في إفريقية عادة بثمانمائة لغة، بينما تقدرها خريطة مدرسة اللغات الشرقية بجامعة لندن بنحو ١٥٠٠ لغة، فضلا عن اللغات الأوروبية. غير أننا إذا ذكرنا أن هناك ألف لغة أو أكثر جنوب الصحراء فليس معنى هذا أن هناك ألف جزيرة لغوية كل منها منعزل عن الآخر، وأن أفراد هذه الجزر لا يستطيعون الاتصال ببعضهم، ذلك أن ثنائية اللسان، بل وتعدده كان منتشرا إبان الفترة الاستعمارية، وربما زاد الآن (١).
ومع ذلك فنحن مضطرون لأن نقرر بأن اللغة هي نقطة الضعف الكبرى في بناء الوحدة الثقافية والحضارية للقارة، ذلك أن القارة تضم عددا لا حصر له من اللغات واللهجات، وأيا ما كان الرقم الدقيق لعدد اللغات في إفريقية، فهذا في جملته معناه أن إفريقية وحدها تضم نحو نصف لغات العالم قاطبة.
ولو نسبنا هذا إلى عدد السكان في القارة، لكان متوسط قوة اللغة الواحدة في إفريقية لا يزيد عن ثلث المليون، إن لم يقل، وهذا وحده
(١) محمد عبد الغني سعودي: قضايا إفريقية ص ١٣٨، ١٣٩.