للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصاغ بالقرآن من رعاة الإبل وعباد الأصنام أئمة الهدى عليهم الرضوان، فكانوا دعاته وقضاته وحماته (رهبان الليل فرسان النهار)، وساحوا في الأرض ينشرون الإسلام والسلام، ويبعثون الحياة في رفات الوجود، ويمدون الإنسانية بقيم لم تألفها ومثل لم تعرفها.

أيها الإخوة:

مضى المسجد الأول وكان صلة الأرض بالسماء، يصنع من تلك الفلول المتناحرة أمة سماوية لم يعرف لها التاريخ البشري مثيلا؛ لأنها صياغة المسجد على ضوء الوحي، وتمضي الأيام تباعا وهو يخرج كتائب المؤمنين وأفواج الصالحين، ونترك الوحي يتلو خصائصهم ويوضح سماتهم:

{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} (١)

وينزل القرآن كذلك يأمر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ليبلغ أصحابه بحدود مسئوليتهم في الدعوة وحصتهم في البلاء، عزيمة من عزائم الإيمان، وفريضة من فرائض الإسلام، ومشاركة فعلية في مسئولية البلاغ {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (٢) الآية، ومن تلك اللحظة وقعت المسئولية تماما وتأكدت على المسجد والساجد معا، ومضى المسجد يؤدي رسالته، ومضى الساجد يؤدي دوره دون تخاذل أو تردد أو إبطاء؛ حتى دوت كلمة التوحيد ما بين سيبيريا شرقا ومشارف أوروبا غربا.

أيها الإخوة المؤمنون:

هنا يبرز عدد من الأسئلة غير مفترضة ولكنها قائمة فعلا، منها:

١ - أن المؤمن في صدر الإسلام قد صيغ صياغة قرآنية، وأن القرآن باق كما نزل، فهل يمكن أن يقوم بدوره الآن في صياغة المؤمن؟

٢ - وسؤال آخر: إن المسجد موجود وهو يشغل مساحة كبيرة في الوطن الإسلامي العريض، فلماذا عجز عن القيام بدوره؟

٣ - وسؤال ثالث: إذا كان القرآن محفوظا والمسجد موجودا فهل الأمل قائم في أن " نجد الرائد الذي يصنع الحنفاء!؟

سأترك هذه الأسئلة معلقة لأجيب عليها فيما بعد. . .


(١) سورة التوبة الآية ١١٢
(٢) سورة يوسف الآية ١٠٨