فكان سجنه (١). وكان آباؤه من الأشعريين، وكانت أمه من عك، وكان أميرا على البصرة، ولكنه لم يظلم الذي سبه علنا، فعامله بالحسنى لتأديبه لا للانتقام به، معاملة القاضي العادل لا الحاكم المستبد الغاشم.
وهذا هو كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى، وهو الكتاب المشهور بكتاب سياسة القضاء وتدبير الحكم:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله عمر أمير المؤمنين
إلى عبد الله بن قيس
(يعني أبا موسى الأشعري)
سلام عليك، أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له. آس بين الناس في مجلسك ووجهك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك. البينة على من ادعي، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين الناس، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا. ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس، فراجعت فيه نفسك، وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق لا يبطله شيء، واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.
الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس فيه قرآن ولا سنة، واعرف الأشباه والأمثال، ثم قس الأمور بعد ذلك، ثم اعمد لأحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى. اجعل لمن ادعى حقا غائبا أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينة أخذ بحقه، وإلا استحللت عليه القضاء. والمسلمون عدول في الشهادة، إلا مجلودا بحد، أو مجربا عليه شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو قرابة. إن الله تولى منكم السرائر، ودرأ عنك بالبينات. وإياك والقلق