للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأرسل معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام، حتى توافوا من دومة الجندل (١) بأذرح.

واجتمع الحكمان، فقال عمرو لأبي موسى: "ألست تعلم أن معاوية وآل معاوية أولياء عثمان؟ "، فقال: "بلى"، فما يمنعك منه، وبيته في قريش كما قد علمت؟ فإن خفت أن يقول الناس: ليست له سابقة، فقل: وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم والطالب بدمه، الحسن السياسة والتدبير، وهو أخو أم حبيبة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاتبة، وقد صحبه"، وعرض لأبي موسى بسلطان.

وقال أبو موسى: " يا عمرو! اتق الله! فأما ما ذكرت من شرف معاوية، فإن هذا ليس على الشرف تولاه أهله، ولو كان على الشرف لكان لآل أبرهة بن الصباح (٢)، وإنما هو لابن الدين والفضل، مع أني لو كنت معطيه أفضل قريش شرفا أعطيته علي بن أبي طالب. وأما قولك: إن معاوية ولي دم عثمان فوله هذا الأمر، فلم أكن لأوليه وأدع المهاجرين الأولين. وأما تعريضك لي بالسلطان، فوالله لو خرج لي معاوية من سلطانه كله لما وليته، وما كنت لأرتشي في حكم الله! ولكنك إن شئت أحيينا اسم عمر بن الخطاب رحمه الله ".

فقال له عمرو: "فما يمنعك من ابني، وأنت تعلم فضله وصلاحه؟ فقال: "إن ابنك رجل صدق، ولكنك قد غمسته في هذه الفتنة".

وجرت المناقشة على هذا المنوال، مما لا مجال لذكره هنا، وقد ذكرت ما ذكرت لأبرز اتجاه موسى في حرصه على المصلحة العليا للمسلمين، وخلوه من كل اتجاه آخر.


(١) دومة الجندل: حصن وقرى بين الشام والمدينة، انظر التفاصيل في معجم البلدان (٤/ ١٠٦ - ١٠٩).
(٢) انظر نسبه في جمهرة أنساب العرب (٤٣٥)، وهو من حمير بن سبأ.