لقد كان يطبق مبدأ: السمع والطاعة، للخليفة القائم، ولا يرضى بالفتنة ولا يشارك بها بقلبه ولا بلسانه ولا بسيفه، ولا يسكت عن الذين يثيرونها عن حسن نية أو عن سوء نية ويقاومهم ولا يخشى في الحق لومة لائم، فإذا استنفد كل طاقاته في إطفاء نيران الفتنة دون جدوى، اعتزل الفتنة وأصحابها ولو خلف وراءه كل ما يملك من منصب ومال ومتاع، فأصبح فجأة رجلا بلا غد، فذلك أهون عليه من أن يقتل مسلما أو يقاتل مسلما مهما تكن الأسباب الداعية لهذا الاقتتال.
وقد اجتهد أبو موسى لنفسه ولمن حوله، فصدع بالرأي الذي استقر عليه اجتهاده ولم يخفه عن أحد مسئولا أو غير مسئول، وللمجتهد إذا أصاب أجران، فإذا أخطأ فله أجر واحد، فهو مأجور على كل حال.
وما كان أبو موسى يشك لحظة واحدة في أفضلية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا بأحقيته بالخلافة، ولكن كان في نفسه شيء من قضية الاقتتال بين المسلمين.
ولا يمكن لمسلم أن يشك في إخلاص علي للإسلام والمسلمين ولا أن يشكك به، ولكنه كان مجتهدا، فساقه اجتهاده إلى ما ساقه إليه، وللمجتهد أجره في كل حال.
لقد كان أبو موسى على درجة عالية من الذكاء والفطنة، فما غلبه على أمره عمرو بن العاص، ولكنه انصاع لاجتهاده، فكان ما كان.