للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"كونوا أحلاس (١) البيوت (٢) "، فكل قرين بقرينه يقتدي، منه يقتبس، وبه يتأثر.

وعن أبي بردة بن أبي موسى قال: "حدثتني أمي قالت: خرج أبو موسى حين نزع عن البصرة، وما معه إلا ستمائة درهم عطاء عياله (٣) "، وهذا مثال رفيع للنزاهة، ينبغي أن يقتضي به أهله والمسلمون كافة حكاما ومحكومين، وبخاصة وأنه كان أمير البصرة وقائدا لجيوشها في أيام مد الفتح الإسلامي، حيث أصبح المجاهدون في يسر وغنى، بعد أن كان آباؤهم في عسر وفقر.

وكان أبو موسى يقول: "إنما أهلك من كان قبلكم هذا الدينار والدرهم، وهما مهلكاكم " (٤) فما خرب ضمائر كثير من الناس غير المال الحرام.

وبلغ أبا موسى أن ناسا يمنعهم من صلاة الجمعة أن لا ثياب لهم، فلبس عباءة ثم خرج فصلى بالناس (٥)، وهو أمير.

وعن أنس بن مالك أنه قال: "كنا مع أبي موسى في مسير له، فسمع الناس يتحدثون، فسمع فصاحة، فقال: ما لي يا أنس! هلم فلنذكر ربنا، فإن هؤلاء يكاد أحدهم أن يفري الأديم (٦) بلسانه. ثم قال: يا أنس! ما أبطأ بالناس عن الآخرة، وما ثبرهم عنها (٧)؟ قلت: الشهوات والشيطان. قال: لا والله! ولكن عجلت لهم الدنيا وأخرت الآخرة، ولو عاينوا ما عدلوا وما ميلوا (٨) وصدق أبو موسى، فالناس أو أكثرهم


(١) أحلاس: جميع حلس، يقال: حلس بيته: لا يبرحه.
(٢) صفة الصفوة (١/ ٢٦٦).
(٣) طبقات ابن سعد (١/ ١١١).
(٤) حلية الأولياء (١/ ٢٦١).
(٥) طبقات ابن سعد (٤/ ١١٢ - ١١٣) وحلية الأولياء (١/ ٢٥٩).
(٦) يفري الشيء: شقه، فتته. الأديم: الجلد. ويفرى الأديم: يشقه، يفتته.
(٧) ثبرهم عنها: صدهم عنها ومنعهم من طاعة الله، والثبر: الحبس.
(٨) حلية الأولياء (١/ ٢٥٩).