للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت: غزوة ذات الرقاع؛ لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق ". قال أبو بردة بن أبي موسى: "فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره، (٤)» كأنه كره أن يكون شيئا من عمله أفشاه، وما أفشى أبو موسى شيئا من عمله ليفاخر به أو لينال سمعة وشرفا، فقد كان ذلك معروفا مشهورا، لكنه أراد أن يعلم أهله والمسلمين كيف أصبح حال النبي صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه من فقر وتقشف، وكيف أصبح عليه حال المسلمين بعد الفتوح من غنى وترف، فهو يريد لهم التقشف ويحذرهم الترف الذي يؤدي بهم إلى التفسخ والانحلال.

وعن القدوة الحسنة في الجليس الصالح، خطب أبو موسى يوما فقال: إن الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من الجليس السوء، ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب العطر إلا يحذك يعبق بك من ريحه، ألا وإن مثل الجليس السوء كصاحب الكير إلا يحرق ثيابك يعبق من ريحه، ألا وإنما سمي القلب من تقلبه، وإن مثل القلب كمثل ريشة بأرض فضاء تضربها الريح ظهرا لبطن، ألا وإن من ورائكم فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا والقاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب"، قالوا: فما تأمرنا؟ قال:


(١) صحيح البخاري المغازي (٤١٢٨)، صحيح مسلم الجهاد والسير (١٨١٦).
(٢) نعتقبه: أي نركبه عقبة بأن يركب هذا قليلا ثم ينزل، فيركب الآخر بالنوبة، حتى يأتي على آخرهم. (١)
(٣) نقبت أقدامنا: أي رقت، يقال: نقب البعير: إذا رق خفه، وذلك من الخفاء. (٢)
(٤) صفة الصفوة (١/ ٢٢٥ - ٢٢٦) واللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (٤٧٤). (٣)