للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان يحدث في الحروب القديمة عند قتل القائد، إذ تنهار معنويات رجاله، ويهربون من ساحة القتال.

كما أنه قتل في معركة واحدة تسعة من المشركين (١)، فكان يضرب لرجاله بشجاعته في القتال أروع الأمثال.

لقد كانت الحروب القديمة بحاجة إلى قائد يتميز بالشجاعة والإقدام؛ لأنه كان عليه أن يتقدم الصفوف، ويبارز أعداءه إذا ما دعي للمبارزة، فإذا لم يدع إليها واقتضت ظروف المعركة أن يرفع معنويات رجاله ويزعزع معنويات عدوه بالدعوة إلى مبارزة قائد أعدائه وأبطاله، فلا بد أن يبادر هو بالدعوة للمبارزة، وهذا ما يحتاج إلى الشجاعة والإقدام.

وقد كان أبو موسى بحق شجاعا مقداما، أثبتت أيامه في المعارك إنه ليس فارسا فحسب، بل سيد الفوارس، في أيام كانت الشجاعة فيها هي القاعدة، والجبن هو الاستثناء.

ولكنه لم يكن يعتمد الشجاعة وحدها في قتاله، بل كان يعتمد الشجاعة والعقل: يبدأ بالعقل، فيحاول أن يحقق أهدافه من عدوه بالمفاوضات وعقد الصلح وإشاعة السلام والتعاون الوثيق بين الغالب والمغلوب، نتيجة للمعاملة بالحسنى وتحكيم النطق والعقل. ولكن إذا لم ينجح في عروضه السلمية للصلح ووضع حد للقتال، ولم يبق أمامه إلا الأسنة مركبا، أقدم على ركوبها غير متردد، بشجاعة وإقدام: " نزل أبو موسى بأصبهان، فعرض عليهم الإسلام، فأبوا، فعرض عليهم الجزية، فصالحوه على ذلك، فباتوا على صلح، حتى إذا اصبحوا على غدر، فبارزهم القتال، فلم يكن أسرع من أن أظهره الله عليهم (٢) ".

تلك هي سياسته في القيادة، وذلك هو منهجه القيادي: العقل أولا، والشجاعة ثانيا، وتلك هي تعاليم الإسلام الجازمة في القتال: الإسلام، أو


(١) جوامع السيرة (٢٤١).
(٢) طبقات ابن سعد (٤/ ١١٠).